بيار أبي صعبفي الحقيقة يصعب تصنيف سيمون بيتون. أهي الكاتبة والصحافيّة والناقدة التي تنشر أساساً بالفرنسيّة من باريس؟ أم المناضلة السياسيّة التي وقفت مبكراً إلى جانب القضيّة الفلسطينيّة، حتى كادت مسيرتها تتماهى مع التاريخ السياسي الفلسطيني خلال ربع قرن؟ أم السينمائيّة التي حقّقت أفلاماً تتجاوز «التوثيق» إلى الإبداع، بفضل أسلوبها الخاص ونزعتها الفنيّة التي تعرف كيف تنصهر في موضوعها حتّى الذوبان؟... نذكر بطريقة عابرة شريطاً بتوقيعها عن عزمي بشارة («المواطن بشارة» 2001)، وآخر ـــ مرجعي ـــ هو «محمود درويش» (1997)، وإذا عدنا أكثر إلى الوراء، بوسعنا أن نستعيد الأفلا التي حققتها عن عمالقة الطرب العربي (أم كلثوم تحديداً، 1990). وتطول القائمة: «حكاية أرض» (عن تاريخ القضيّة الفلسطينيّة، 1992)، «عمليّة انتحاريّة» (1999)، «بن بركة» (عن المناضل المغربي الشهير، 2001). لكن أخطر أفلامها حتّى الآن هو «جدار» (2004، عرض في بيروت). ولعلّه من أقوى ما صوّر عن جدار الفصل العنصري الذي بناه الإسرائيليّون في فلسطين، «ليعزلوا أنفسهم مجدداً في غيتو»، هو من مخلّفات النازيّة المقيتة التي كان اليهود ضحيّتها في أوروبا.
وهذا السبت سيكون الجمهور على موعد مع أحدث أعمالها «راشيل» (2008)، عن المناضلة السلميّة الأميركيّة راشيل كوري التي قتلتها الجرافة الإسرائيليّة شتاء 2003، وهي تحاول مع صحبها، حماية منازل فلسطينيّة من الهدم، في رفح قرب الحدود المصريّة. كالعادة تمّحي سيمون خلف موضوعها. التقت الشهود على اختلافهم. صحب راشيل من بريطانيا واسكتلندا والولايات المتحدة، يقرأون مقتطفات من رسائلها أمام الشاشة، ثم يستعيدون تجربتهم الميدانيّة تحت الاحتلال. كل ذلك يتقاطع، في لعبة مونتاج ديناميّة ومُحكمة، مع صور سبقت الجريمة بدقائق وأعقبتها، ومشاهد تستعيد هؤلاء المراهقين الرومانسيين الآتين من الغرب لمواجهة الدبابات. الأهالي الفلسطينيون الذين احتضنوها ورفاقها، ومنهم من شهد على المقتلة. والداها في الولايات المتحدة، في لحظة مؤثرة وجارحة: يقرآن فقط رسائل راشيل التي وصلتهما من فلسطين. إذا شئنا اختصار سيمون بيتون، فسنكتب «عادلة»: بالمعنى الذي عناه كامو، إنما أيضاً بالمعنى الذي أطلق خلال الحرب العالميّة على رجال ونساء حموا اليهود وساعدوهم على الهروب من المحرقة. تلك المغربيّة الأصل، من أسرة يهوديّة هاجرت إلى إسرائيل... كانت خلال حرب تشرين (1973) في المقلب الآخر. ثم جاءت إلى باريس كي تدرس السينما وكرّست حياتها كي تشهد للحق!


8:00 مساءً 4 نيسان (أبريل) ــ «متروبوليس»