حسين بن حمزةضمن مشروع «وجهاً لوجه ما كان» الذي أطلقته «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث»، عرض في الـ«هنغار» أخيراً فيلمان تسجيليان: «لكي تكون فقط ذكرى... نساء مقاتلات» (20 دقيقة)، و«من الحرب إلى المصالحة» (14 دقيقة). أجرت المخرجة سحر عساف، في الفيلم الأوّل، مقابلات مع أربع نساء سبق لهنّ أن قاتلن في الحرب الأهلية، وما تفرّع عنها من حروب إضافية. أربع مقاتلات سابقات يسردن حكايات حرب واحدة بوجهات نظر متعددة. لا تتغير الحرب كثيراً، لكن لكل امرأة قصة ترويها لنا. التجربة الشخصية والانتماء الحزبي يساهمان في جعل هذه القصص متفاوتة في الرؤية والتفاصيل. فادية بزي (الحزب الشيوعي)، ورينا حنا (الكتائب)، وميسلون فرحات (الحزب القومي السوري)، وكوليت طنوس (القوات اللبنانية)... يستعدن الحرب، يشرحن الدوافع والأسباب التي ورّطتهنّ فيها، متمنياتٍ أن تظل مجرد ذكرى.
المشاهد ينتبه إلى الفارق الذي تصنعه هذه الشهادات مع شهادات مماثلة رواها مقاتلون ذكور. النساء هنا أقل عنفاً ودموية. لا يذكرن أنهن رأين ملامح الخصوم أثناء القتال. يسردن طرائف تتعلق بكونهن نساءً في مجتمع الحرب المخصص ــــ تقليدياً ــــ للرجال. فكرة الاندماج في مجتمع السلم ترد في أكثر من شهادة. ثمة رغبة في التسامح، لكن من دون ندم حاسم على التجربة.
الندم يرد بطريقة أوضح في الفيلم الثاني (من إنتاج مؤسسة «أديان»). يقدّم الشريط شهادة مقاتلَيْن هما محيي الدين شهاب وأسعد شفتري، أصبحا صديقين في زمن السلم. لقد سبق لشفتري أن اعتذر في بيان مكتوب عن كل ما ارتكبه في الحرب. إنه يتحدث هنا كأنه يُكمل خطابه السابق. أما شهاب، فيروي المراحل التي مرّ بها ليتقبَّل صداقة خصمه القديم.
الجو التصالحي الذي ساد في الفيلمين، عاد واشتعل في النقاش الذي أعقب الأمسية. إذ لم نعدم أن يكون بين الجمهور من يختلف مع آراء أصحاب الشهادات والأسباب التي ساقوها لتبرير مشاركاتهم في الحرب. ولم نعدم أيضاً أن ينبري أحدهم في حضرة خمسة مقاتلين لبنانيين، ليقول إنّ من الخطأ أن نطلق الصفة اللبنانية على الحرب، مؤكداً أنها كانت «حرب الآخرين على أرضنا». وحين اعترض شفتري نفسه، منبّهاً إلى خطورة هذا التوجه، وقف الشخص نفسه ليؤكد أن الحرب لم تكن أهلية و«أن اللبنانيين هم أحسن شعب بالعالم».