وجدت الفرقة وسيلة للتحايل على تدني اهتمام الجمهور بالمسرح. ديكور بسيط، ونصوصٌ ساخرة هي كلّ عدّتها كي توصل خدمتها إلى المتفرجين في الحدائق والمدارس... وحتّى السجون
الرباط ــ ياسين عدنان
أدخلت فرقة «مسرح الأصدقاء» المغربيّة مفهوم «التايك أواي» إلى خشبة المسرح. يوضح مدير الفرقة سعيد عامل: «تراجع الجمهور كثيراً ولم يعد الذهاب إلى المسرح من أولوياته. لهذا قررنا أن نذهب إليه بأنفسنا ونقدّم إليه فرجتنا المسرحية، حتى ولو كان الحيز المتاح لنا هو صالون شقة لا تتجاوز مساحتها 90 متراً مربعاً». ويضيف: «يجب على المسرحيين أن يداهموا الجمهور في مواقعه إذا أرادوا استعادته».
واحتفالاً بالذكرى العاشرة لتأسيسها، قدّمت الفرقة مسرحيتها الجديدة «حريق تحت الباب» للمخرج كريم تروسي، وهي مسرحيّة لا تتجاوز مدّة عرضها الساعة الواحدة ويقدّمها ممثلان فقط هما النجمة المغربيّة لطيفة أحرار وهشام إبراهيمي. ديكور العمل قابل للتكيّف مع مكان العرض، سواء كان ساحة أو حديقة، مطعماً أو مقهى، مدرسة أو جامعة، معملاً أو محلاً تجارياً، حديقة فيلا أو غرفة في شقة صغيرة. ويمكن الجمهور الاتصال والحجز، وتلتزم الفرقة إيصال العرض إلى طالبه في المكان والموعد المحددين!
تختلف كلفة العرض بدورها بحسب المكان، إذ يقول عامل إنّه «لا يعقل أن نطالب طلاب المدارس بدفع المبلغ نفسه الذي قد نطلبه من شركة تجارية كبرى»، فيما تقدّم الفرقة عروضها في المستشفيات والسجون مجاناً. «مسرح الأصدقاء» منفتحٌ منذ تأسيسه عام 1998 على مختلف فضاءات العرض، كالأحياء الجامعية، المدارس الثانوية، المطاعم والسجون كما تبنّى أيضاً مهمّة توعية الشباب على بعض القضايا الراهنة. وفي هذا الإطار أنتجت الفرقة الأعمال التالية «سال المجرب»، «اللعب هذا»، «ما تدريش ما تخافش» بتنسيق مع بعض الجمعيّات المعنيّة بالتوعية من مخاطر مرض «الأيدز»، إضافةً إلى مسرحيات أخرى قصيرة تدور حول حقوق الإنسان أنتجها «مسرح الأصدقاء» بالتنسيق مع «منظمة العفو الدولية».
وقد جرى اختيار الكوميديا في هذه العروض، باعتبارها الأسلوب الأقرب إلى قلوب الشباب الذين يفضّلون الخفة واللعب المفتوح. ويوضح سعيد عامل أنّ الفرقة «تشتغل على مفارقات الواقع، وتعالج مواضيعها بفنية كبيرة وبدون خطب طنّانة ولا شعارات. في عروضنا نطرح أسئلة أكثر مما نقدم أجوبة، لأن الجمهور لا يريد أن يسمع منّا دروساً. أما على المستوى الفني، فنتبنّى رؤية ساخرة، لكنّها قريبة جداً من الواقع المغربي، كذلك نستبعد الديكورات الضخمة ونختار ديكوراً بسيطاً، يمكن نقله بسهولة، ويتأقلم مع الخشبات الصغيرة المرتجلة التي نشتغل فوقها، وخصوصاً في السجون ومدارس الأحياء الشعبية. أمّا بالنسبة إلى الإضاءة، فنبتكر صيغاً فنية بديلة لتعويض غيابها».
هذه الروح المغامِرة التي جعلت «مسرح الأصدقاء» يهاجر بعروضه خارج العلبة الإيطالية ستقوده قريباً إلى القطارات. المسرحية الجديدة التي تشتغل عليها الفرقة هذه الأيام ستحمل عنوان «زوج بغال». وللعنوان دلالة سياسية واضحة، فهو اسم المعبر الحدودي الذي يربط، ويفصل في الآن ذاته، بين المغرب والجزائر. ستحكي مسرحية «زوج بغال» الكوميدية عن لقاء سيدتين واحدةٌ جزائرية والأخرى مغربية، على متن القطار. تقصد كلّ سيّدة وجهة مختلفة عن وجهة الأخرى، وتنظر إلى العالم نظرة مختلفة عن رفيقة رحلتها. ستتقمّص لطيفة أحرار دور المسافرة المغربية، فيما تجري الفرقة اتصالاتها حتى الآن لضمان مشاركة إحدى الممثلات الجزائريات، لتتقاسم معها بطولة العمل. تعمل الفرقة حالياً على إعداد المسرحيّة وتهيئة فضاءاتها بالطريقة التي تجعلها صالحة للعرض في القطار، وفقط على متن القطار. مدة العرض 45 دقيقة والمسافة بين الرباط والدار البيضاء تتجاوز الساعة. هكذا سيستمتع المسافرون على خط الرباط/ الدار البيضاء بهذه المغامرة الجديدة لفرقة جريئة عرفت كيف توسع من مفهوم الجمهور. يؤكد سعيد عامل، أنّ هدفهم ليس «التأمل في الجمهور كما لو كان فكرة نظرية، ولا معاتبته أو اتهامه بالتقصير، وبالتالي تحميله مسؤولية تردي المستوى المسرحي». «المطلوب فقط»، يضيف مدير مسرح الأصدقاء، «هو أن نغادر برجنا العاجي وعلبتنا الإيطالية، وأن نذهب نحو الجمهور لنبحث عنه ونأتيه من حيث لا يحتسب».