الصورة الإيجابية للسينما المصرية التي تجمع بين الأفلام الكوميدية والمضامين الجادة لم تستمر طويلاً: فتيات «الفيديو كليب» اجتحن الساحة، والنتيجة مشاهد ساخنة من دوللي شاهين إلى... ماريا!
محمد عبد الرحمن
في فيلمه الشهير «المنسي»، وفي مشهد جمعه مع أحمد آدم ومحمد هنيدي، صنّف عادل إمام الأفلام السينمائية بأنّها إمّا قصة أو «مناظر ساخنة». كان ذلك خلال سعي الثلاثي في الفيلم لمشاهدة أفلام أجنبية كانت مشاركة في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي». بعد سنوات قليلة، رفعت السينما المصرية بقيادة هنيدي شعار «السينما النظيفة» رغبةً بجذب العائلات لتحقيق إيرادات ضخمة. ورغم سلبيّاتها، ساعدت «السينما النظيفة» في انتعاش دور العرض وزيادة الإنفاق على الإنتاج الذي زاد تدريجاً ليصل إلى 50 شريطاً هذا العام بعدما كان لا يتجاوز عشرين في نهاية التسعينيات. ومع الوقت، بدأت الأفلام ذات المضمون القوّي تنتشر من دون أي مشكلة في عرض بعض المشاهد «الساخنة» التي تخدم القصة. وكان آخرها مثلاً «الوعد» و«حين ميسرة» و«هي فوضى» و«جنينة الأسماك».
لكنّ الصورة الإيجابية للسينما المصرية التي تجمع بين الأفلام الكوميدية وتلك ذات المضامين المميزة لم تستمر طويلاً. هناك مَن استغلّ رغبة «فتيات الكليبات» في التمثيل لصناعة أفلام هدفها جذب الجمهور من خلال ترويج أخبار عن احتوائها مشاهد ساخنة. ولأن الصحافة الفنية المصرية تحتاج إلى مواضيع تملأ بها المساحات الفارغة، أصبح من المعتاد كل فترة ظهور فيلم «ساخن شكلاً وبارد مضموناً» ليروّج له بأشكال مختلفة قبل أن يسقط سريعاً من ذاكرة السينما والجمهور والنقاد. والمفارقة أنّ هناك عناصر عدّة تجمع بين تلك الأفلام وتؤكد أنها قد تمثّل تياراً إذا استمر الجدل بشأنها بشكل يشجّع منتجيها على تقديم المزيد. هذه الأفلام تتناول دائماً علاقات عاطفية منقولة من صفحات الحوادث، باعتبارها أفلاماً تنقل الواقع المر حتى لو كان بأسلوب خال من أي لمحات سينمائية. هكذا خرج هاني جرجس فوزي على الجمهور مؤكداً أنّ شريطه «بدون رقابة» يعرض مشاكل شباب وفتيات أصبحوا مهووسين بالجنس بسبب غياب الأسرة. وما الاهتمام الإعلامي الكبير الذي رافق إطلاق الفيلم إلا خير دليل على ذلك. علا غانم التي مثّلت شخصية المثلية في الفيلم أجرت خلال الأسبوعين الأخيرين أكثر من 30 مقابلة، أكّدت فيها أنّها قدمت فيلماً يخلو من مشاهد خادشة للحياء وأنّ تصوير أجساد الممثلات عن قرب يحصل من دون علمهن!
واللافت أنّ أسماء بطلات هذه الأفلام هي نفسها دائماً. غانم مثّلت سابقاً في «لحظات أنوثة» الذي فشل في جذب الجمهور. وقد شاركتها البطولة جومانة مراد التي اختارت الهرب سريعاً من هذه الأفلام. أمّا ريم هلال التي تشارك أيضاً في «بدون رقابة» في شخصية الراقصة الساخنة فقد حظيت هذه المرة باهتمام الصحافة بعد فشل فيلمها الأول «بنات وموتوسيكلات». والأمر نفسه ينطبق على دوللي شاهين التي أصبحت المرشحة الأولى لهذه الأدوار، وإن كانت تحاول أخيراً الهرب من تلك الصورة السلبية التي ستطارد زميلتها ماريا طويلاً. في هذا الإطار، أعلن المطرب الشاب أحمد فهمي أنّه لم يكن راضياً عن تأدية الأغنية الساخنة مع ماريا. وفهمي يظهر أيضاً في فيلم «أزمة شرف» مع غادة عبد الرازق والمخرج وليد التابعي. وهذا الأخير نجح في لفت الأنظار عندما دخل في مطاردة مع الرقابة بحجّة عدم انتهاء نسخة عرض الفيلم.
والملاحظة الأساسية التي تجمع بين «بدون رقابة» و«أزمة شرف» هي أنّ مخرجيهما هما أيضاً منتجا العمل، ويخوضان تجربة الإخراج للمرة الأولى، الأمر الذي يؤكد أن تلك الأفلام لا تحتاج إلى مخرج أساساً. كذلك جاء اختيار الأبطال ليؤكد أنّ قائمة محدودة من الممثلين الجدد هي التي تقبل الظهور في أفلام مماثلة. هكذا، حقّق أحمد فهمي مثلاً انتشاراً هذه الأيام يفوق ما حققه كمطرب في السنوات الخمس الأخيرة. وإذا كان فهمي قد نال بطولة «بدون رقابة» أمام ماريا ودوللي باعتبار الثلاثة من جيل غنائي واحد، فها هو يقف أمام غادة عبد الرازق رغم فارق السن الكبير لسبب بسيط أنّ رغبة غادة في البطولة المطلقة ـــــ من تمويل زوجها وليد التابعي ـــــ تتطلّب وجود ممثل جديد لن ينازعها تلك البطولة على الشاشة. وتظل الرقابة هي النافذة الواسعة للترويج إعلامياً لتلك الأفلام، إلى درجة أنّ أصحابها يسربّون باكراً الأزمات مع الرقابة لضمان المزيد من التغطية الإعلامية... لعلّ ذلك يوفّر للشريط مكاسب على مستويات أخرى. إذ إنّ هناك مَن يردد في الوسط الفني أنّ بعض تلك الأفلام تُستخدم بشكل غير مباشر للترويج لبطلاته لكن في أنشطة بعيدة تماماً عن السينما.