في «المعجم الوزاري اللبناني» (إصدار خاص)، يقدّم عدنان ضاهر ورياض غنّام وزراء لبنان على مدى 82 سنة، ويتوسّعان في عرض صلاحياتهم، والمفاهيم التاريخية التي رافقت التسمية حتى العصر الحديث
نقولا ناصيف
اتّخذ عدنان ضاهر ورياض غنّام من موقعيهما في مجلس النواب لسنوات طويلة فسحةً لاكتشاف الحياة البرلمانية وملامسة لحظاتها السرّية والتاريخية، والاقتراب من رجالاتها اللامعين مرة، والمحظوظين أخرى، الحاضرين، والغائبين حتى عندما يحضرون. شهدا الكثير من أسرار لبنان قبل أن تدخل قاعة الجلسات. وأصغيا الى صانعي الأحداث قبل تدوين ذلك بهدف حفظ ذاكرة مؤسسة لم تشخ. الأوّل أمين عامّ للمجلس، والثاني مدير عام لشؤون الجلسات واللجان. معجمهما الجديد «المعجم الوزاري اللبناني» يأتي في سلسلة ترمي إلى كتابة تاريخ السلطة التنفيذية كي يبقى ماضيها ماثلاً كحاضرها.
كلاهما كتب في التاريخ وبحث عن أسراره والجوانب الضائعة، أو تلك التي يفتقدها الباحثون حالياً. الأوّل أرّخ «قوانين الموازنة العامة في الذاكرة» و«الموازنة العامة بين الدستور والواقع» في 20 مجلداً، و«الموازنات العامة في الدول العربية» و«حقوق النائب وواجباته في المجالس التمثيلية العربية». وأرّخ الثاني مراحل مهمة في تاريخ لبنان تناولت المقاطعات اللبنانية في ظلّ الحكم المصري وحكم الأمير بشير ونظام القائمقاميتين، والسجل الأرسلاني، إلى دراسات وأبحاث تناولت تاريخ الدروز وحقباً من تاريخ لبنان في القرن الـ 19. قبل أن يتحوّلا إلى توأمين أبسط ما يصحّ فيهما القول إنّهما حفظا ذاكرة برلمان عريق في دوره والتحدّيات التي واجهها.
كتبا معاً «مجلس النواب في ذاكرة الاستقلال اللبناني» (2002)، و«المعجم النيابي اللبناني» (2007)، و«معجم اللجان النيابية اللبنانية» (2007)، و«المعجم الوزاري اللبناني» (2008). وهما يصوغان «معجم حكّام لبنان ورؤسائه»... كي يكتمل التأريخ لذاكرة الجمهوريّة.
الرجلان اللذان يعترفان بأنّ «لملمة أوراق التاريخ متعبة ومضنية» يشيران إلى افتقاد المؤسسات سير الرؤساء والوزراء والنواب بعدما أدت الحرب إلى إحراقها أو نهبها. وهما بذلك لجآ أيضاً إلى مراسيم تأليف الحكومات والبيانات الوزارية ومحاضر مجلس النواب. إلا أنّهما ــ بجمع سير مئات الوزراء (تجاوزت 400 سيرة) اقتضت وقتاً طويلاً للعثور على أجزاء منها في محفوظات خاصة أو عائلية ـ أقرنا النبذة الرسمية بالصورة، لكن أيضاً بجوانب شخصيّة غير سياسية بعضها مجهول تمثّل في معلومات تناولت خلفيات عائلية وثقافية وإنجازات، والأداء والانتماء الحزبي وتاريخ التوزير وسواها ممّا يبقي هؤلاء في ذاكرة البحثين الاجتماعي والسياسي عن حقب سياسية مهمة اجتازها لبنان، بعضها طواها الزمن، والبعض الآخر طمرها الانحياز، والبعض الثالث أهدرها التجاهل.
أتى معجم الوزراء كي تكتمل به نبذات رجالات مرّوا على حكم لبنان منذ 1922، قبل إعلان الدستور والجمهورية اللبنانية، ولا يبرز جهد إبقاء هؤلاء في ذاكرة أجيال لبنانية مقبلة فحسب، بل مغزى انتمائهم، محامين وضباطاً وقضاة ومهندسين وأساتذة جامعيين وأطباء واقتصاديين وصحافيين وأدباء وموظفين إداريين وسفراء، ذوي جذور اجتماعية متفاوتة تراوحت بين ملاكين وبسطاء أوصلتهم الموهبة والعفوية الشعبية والكدّ، إلى صلة الارتباط العائلي. فيهم البيك والزعيم والأمير والشيخ والرّيس والوجيه والأستاذ، وسائر الألقاب التي اعتادتها التقاليد. بعض هؤلاء جاء إلى المنصب وارثاً عن وارث، وبعضهم مثّل أملاً في التغيير، وبعضهم أوجبتهم فكرة التسوية بعد كل أزمة كيانية كانت تضرب لبنان. بعض هؤلاء عبر في المنصب كأنّه لم يمكث فيه، وبعضهم عبر كأنه فُطِرَ كي يستمر فيه لا أن يكون فحسب. منهم مَن اغتيل أو كاد، ومنهم مَن انطفأ هرماً. بعضهم أضحى جزءاً من تاريخ لبنان ومؤسساته والعائلة السياسية التي كانت ولا تزال نواة الجمهورية اللبنانية المؤسسة.
يمهّد ضاهر وغنّام لمعجمهما بنبذة سياسية تتقدّم نبذات الوزراء على مرّ 82 سنة، تشرح دور الوزير ومهماته في دستوري عامي 1926 و1990، وعلاقته برئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية، فإذا به بعد اتفاق الطائف يتخطى دوره السابق معاوناً لرئيس الجمهورية إلى صاحب صفتين سياسية وإدارية. ويتوسّعان بعد العودة إلى جذور الكلمة في عرض صلاحياته ومواصفاته، والمفاهيم التاريخية التي رافقت التسمية حتى العصر الحديث، مارّين كذلك بدور الوزير في أصول المجتمعات كأحد عناصر تكوين السلطة قبل تكوين الدولة ومعها.