صباح أيوبمرّةً أخرى الإعلام على الجبهة، بل هو رأس الحربة في معركة فضح الهمجيّة الإسرائيليّة. «سفينة الأخوّة اللبنانية» التي اختطفها الجيش الإسرائيلي قبالة شواطئ غزّة، بما فيها مِن مساعدات، ومَن عليها من مدنيين يتصدّرهم المطران كبوجي، دفعت إلى الواجهة أربعة إعلاميين لبنانيين قرّروا الدخول إلى فلسطين بأي ثمن، فإذا بهم وجهاً لوجه مع جنود الاحتلال: سلام خضر والمصوّر محمد عليق («الجزيرة»)، وأوغاريت دندش والمصوّر مازن ماجد («الجديد»). خبر توقيف السفينة وصل ليل أول من أمس، لكن من دون صور. لا مشاهد فعلية من داخل السفينة، أو من الحدود هذه المرّة... لكن صوت مراسلة «الجزيرة» سلام خضر ما زال يتردّد في آذان ملايين المشاهدين. صوت مذعور وغاضب ومستنجد، شوّهته الاتصالات الفضائيّة فجاء «اصطناعيّاً» كأنه من كوكب آخر، ليزيد من لوعة الحالة: «الجنود الإسرائيليون هم داخل السفينة... ويوجّهون أسلحتهم تجاهنا ويركلوننا بالأرجل...».
بعد ذلك صودرت المعدّات، وانقطعت الاتصالات. وبقيت أنظار العالم معلّقة على تلك الصورة التي التقطتها كاميرات «الجزيرة» من شواطئ غزّة لسفينة عائمة في الأفق البحريّ البعيد. «سفينة الأخوّة اللبنانيّة» أخطر ما عليها ليس المساعدات التي ستبقى «رمزيّة» في كل الاحوال، بل الإعلام العربي الذي يتحالف الجميع لمنعه من الوصول إلى غزّة، من البرّ المصري كما من البحر. إسرائيل دولة تخاف الإعلام، إلا حين تكون كاميرات CNN تنقل شكاوى أهل غزّة من ممارسات... «حماس»!
في بيروت تلقّى أهل الإعلام النبأ كالصاعقة. مكتب «الجزيرة» دعا إلى اعتصام تضامني مع المحتجزين في قبضة الجيش الإسرائيلي. وتجمّع صحافيون ومصوّرون ورسميون أمام المقرّ في القنطاري، معلنين رفضهم لما يرتكبه «قراصنة البحر المتوسط»، كما أشارت اللافتات المرفوعة. «نعتبر أن كل المدنيين الموجودين على متن السفينة هم أسرى، ونحمّل السلطات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن سلامة طاقمنا الصحافي وجميع ركّاب السفينة»، علا صوت غسان بن جدو عبر الهاتف في باحة الاعتصام، وهو ما زال «يناضل»، منذ 3 أسابيع، على الحدود المصرية للدخول إلى غزة، من دون نتيجة تذكر!
نترك زملاءنا المحتشدين في الخارج لإجراء زيارة خاطفة لمكتب «الجزيرة». المكاتب خالية وهادئة على غير عادة، لم يبقَ في بيروت سوى صحافيّة ومصوِّرين اثنين... «لكننا أبلينا بلاءً حسناً لغاية الآن!» تعلّق بشرى عبد الصمد، قبل أن تهرع مع أفراد المكتب الباقين لمواصلة الاعتصام من أمام مبنى قناة «الجديد»! هذه المرّة زملاؤنا الذين عاشوا عدوان تموز (يوليو) 2006 تحت الصواريخ الإسرائيليّة، هم وجهاً لوجه مع جنود العدوّ. قريباً سنسألهم عن تجربة «الأسر». يبقى أن يعودوا سريعاً، بالسلامة، إلى أرض الوطن.