صباح أيوبمن الساعات الصعبة التي تلت اختطاف «سفينة الأخوّة اللبنانيّة» على يد القراصنة الإسرائيليين، نحتفظ في الذاكرة بشهادة سلام خضر الصوتيّة المؤثرة التي بثّتها «الجزيرة». وقد استعدناها حين هرعنا للقاء الإعلاميين الأربعة من الاختطاف مع ركّاب السفينة الآخرين. مراسلة قناة «الجديد» أوغاريت دندش كانت هنا، ومعها رفيق دربها المصوّر مازن ماجد. يحاولان إيصال الرسالة التي حجبها جيش الاحتلال عن الشاشات اللبنانية والعربية. الثنائي الإعلامي العائد من الأسر، عاش عدوان تموز وغطّى الأحداث الأمنية المختلفة في لبنان، قبل أن يخوض تلك التجربة الفريدة. استمعنا إليهما يرويان لـ«الأخبار» قصّة المواجهة ـــ المباشرة هذه المرّة ـــ مع العدو الإسرائيلي! لم تستطع أوغاريت السكوت حين وجدت نفسها وجهاً لوجه مع الجنود الإسرائيليين الذين اعتدوا على ركّاب السفينة: «لا يحقّ لكم توقيفي أو توجيه الأوامر إليّ. أنا صحافيّة وأعرف حقوقي جيداً» صرخت. لكنّ منطق فرسان الحضارة في الشرق مختلف: «عندما تابعتُ الكلام، أدخلوا كوفيّتي في فمي». المراسلة الشابّة (29 عاماً) لم تقطع الأمل من إمكان تنفيذ مهامها الصحافية، وإيصال الصوت للإعلام إلا بعدما صودرت الهواتف والكاميرات والمعدّات التابعة لفريق قناتها وقناة «الجزيرة». «تحوّل همّي حينها إلى استغلال واقعة الاختطاف لإيصال رسالة معنوية إلى غزّة على الأقل، بعدما منعنا من إيصال الصوت والصورة من هناك»، تشير بنبرة حماسيّة غاضبة. غضبٌ امتزج بالمرارة عندما وجدت نفسها فجأة أمام «دولة إسرائيل»، كما تقول، «بمبانيها الرسمية وأعلامها المرفرفة في كل مكان والحياة التي تضجّ في شوارعها». تذكّرت المراسلة الميدانية مشاهد تحقيقاتها من داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان: «تذكرت أصحاب هذه الأرض، فكرت بأهل عين الحلوة مثلاً، الذين يعيشون اليوم في بقعة بؤس صغيرة على الأراضي اللبنانية». ما الفرق بين التحديات التي تواجهها عادة في ممارسة مهنتها، والضغط الذي تعرّضت له في أثناء الاختطاف؟ تقول أوغاريت إن تغطية الأحداث اللبنانية تقتضي مهنية عالية قوامها ضبط الأعصاب، وحدّ أدنى من الحياد. أما أمام العدو، فـ«كنتُ مستعدّة لأي شيء، حتى للموت!».
وحكى لنا مازن كيف شاهد زوجته تُضرب أمام عينيه. أبقى الكاميرا تعمل على كتفه، حتى بعدما هاجمه الجنود وأنزلوها أرضاً، تركها شغّالة: «كان لدي أمل بأن أستعيد الشريط، فأوصل الصور إلى المشاهدين». لكن مصوّر «الجديد» قال لزميله في «الجزيرة»، بعدما عصبت أعينهما: «محمد، لنشمّ ريحة فلسطين بدل أن نصوّرها!».