بيار أبي صعبلم يكن الأمر يتطلّب أكثر من ذلك: أن يأتي رجل إلى الوزارة يصدر تعميماً، ويوقّعه من دون أن ترتجف يده. من الآن فصاعداً بات يحقّ لكلّ مواطن لبناني ألا يصرّح عن القيد الطائفي في السجلات الشخصيّة. بات يحقّ لنا «شطب هذا القيد»، تماشياً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة التاسعة من الدستور التي تكفل حريّة الاعتقاد. وزير الداخليّة والبلديّات فعلها أخيراً، وهو يستحقّ التحيّة!
هناك جمعيات وأحزاب تناضل لهذه الغاية منذ سنوات. كثيرون ماتوا وهم يهجسون بهذا الحلم: أن يخرج الفرد من طائفته إلى الوطن. ألا يعود مذهباً في خانة، رقماً في معادلة قاتلة، محارباً في عشيرة ينتشي على وقع طبولها، عبداً مطيعاً على أبواب البكوات وأمراء الدواوين، يتسوّل حقّه في الوطن... بل إنسان حرّ مهما كانت قناعاته ومعتقداته، ومواطن له حقوق وعليه واجبات. مرّت حروب ومذابح وحواجز «قتل على الهويّة»، ونحن ننتظر. تجّار الموت وسماسرة الطوائف، بنوا أمجادهم في بلد المزارع والمحسوبيات والقبائل المتناحرة... ونحن ننتظر.
كان يكفي أن يأتي وزير، وصل بجدارته ومن خلال نضالاته في مجال الحريّات والمواطنة والعدالة والمجتمع المدني، كي نصحو يوماً وقد صار لنا الحق في أن نكون بشراً ومواطنين. سيحفظ التاريخ توقيع زياد بارود على تلك الوثيقة، فقد أعلنت بدء انحسار الطاعون عن البلد الصغير المنفصم بين حضارة وتخلّف. لعلّها ليست سوى الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل: فتطهير النفوس يتطلب سياسة تربويّة وإعلاميّة وتشريعيّة حقيقيّة. لنقل إنها خطوة رمزيّة على طريق العلمانيّة الشاملة التي لا مستقبل من دونها للبنان، الدولة والوطن والإنسان.