خليل صويلحعلى حافة أقاصي الشمال، تنشأ قصيدة ذات مذاق مختلف، بالكاد نسمع هسيسها. الجليد يخترع نصه بأقصى حالات الهدوء والروية. قصائد صامتة تحمل تواقيع شعراء سويديين، لم نبصادفهم إلا نادراً، وفي ترجمات متفرقة. شعراء ينصتون إلى الداخل ويعيشون عزلة تفرضها الجغرافيا قبل اللغة. الأخضر والأزرق يتقابلان بصرامة في سماء شاسعة، فكيف لشاعر أن يمتحن ألواناً أخرى لم يشتبك معها مباشرةً؟ في «انتلوجيا الشعر السويدي» («المدى»، تحرير وإشراف جاسم محمد) إطلالةٌ استثنائية «على حافات النهائي» واختبار نبرة تعمل على المادة الخام، قبل أن تنزلق إلى معنى الأشياء. 21 شاعراً يتنزّهون في حقول اللغة، يبتكرون معجماً للّامرئيات. تقول كريستين فالكنلاند «أقف ساكنةً هنا خلف إيماءات كثيفة». هذه العبارة ربما، تختزل مناخات الشعر السويدي. هو شعر إيماءات أو «سرديات البصر القابض بقلقٍ على العادي» وفقاً لما يقوله سليم بركات في المقدمة. لعل الشاعر الذي وجد نفسه في هذا المنفى القسري منذ سنوات، يعبّر بعمق عن ماهية الشعر السويدي وخصوصيته الإيقاعية. يقول «الشعراء هنا، أشباح ذواتهم في الرؤيا: قسوة معتدلة، وهدنات مع الألم قد ينقضها الألم حين يشاء». تتجاور في قصائد هؤلاء رائحة الموت والريح وانتظار ما لا يأتي. هناك مَن يقف دوماً خلف زجاج نافذة، يصف مشهداً في الخارج، كأنّ الزمن لا يتحرك أو أنّه مجرد صمت مطبق لا يعني شيئاً «الرأس ذاته على أجساد مختلفة وكلّها أجسادي» تقول يني توندال. ومن ضفة إيقاعية أخرى، نكتشف لدى دافيد فيكغرين مناخات سريالية ترتطم بعنف مع مشهديات صاخبة، تدير ظهرها للطبيعة الصامتة نحو الداخل في سرديات متلاحقة تنطوي على قلقٍ وجودي وعزلة مدمّرة. وإذا باللغة الشفوية تتحوّل «شبكة أغصان مفتوحة». لغة نائية تتّحد بعالم من التناقضات الشديدة. في الانطولوجيا التي تغطي السبعينيات حتى مطلع الألفية الثالثة، تتجاور أصوات من مرجعيات مختلفة جمعها هذا المنفى القصيّ: الصيني لي لي والصومالي يوهانس آنيورو بجانب شعراء سويديين، ما يمنح هذه اللغة المجهولة شحنة إضافية من الألغاز والمجازات. سليم بركات التقط جانباً جوهرياً يحكم آليات هذا الشعر «كلمات كأنما تُرمى بخفّةٍ. كلمات متوحّدة، مبتورة في عنادها، تحتبس أنفاسها لتعرف المقدار المحتمل لبقائها بلا هواء. تشهق، من ثم، تتنفّس في قفزة يقينها من سطرٍ إلى آخر».