حدائق معلّقة وكاوتشوك بيروت على ضفاف نهر التايمزنوال العلي
يستغرق الرجل الملتحي العاري في النوم، رافلاً في الزُخرف الفارسيّ. لو وقعت صاعقة فإنّها لن توقظه من شبقه الفريد. على هذا النحو، يَظهر «رجال الله». عنوانٌ حملته مجموعة صور فوتوغرفية للإيراني رامين خيرزاده. وهو واحد من 19 فنّاناً مشاركاً في معرض «من دون حجاب» Unveiled: New Art from Middle East الذي تستضيفه غاليري «ساتشي» اللّندنيّة حتى السادس من أيار (مايو). يستخدم خيرزاده الأساطير والزّخارف والتصوّرات النّمطية عن الشرق وعن غُلمة الرجال فيه، ويوظّف ذلك في فضاءٍ بصريّ حديث. إذ يصوّر نفسه عارياً، ثم يقوم بتركيب الوشوم على البشرة الذكوريّة في أوضاعٍ مستفزّةٍ للخيال لا تخلو من رؤيةٍ غربيةٍ عن مجونٍ شرقيّ. ومع طباعة نقوش الملابس المستوحاة من طقوس مجالس التعزيّة الشيعيّة المعروفة. يفكّك الفنّان الأجساد ثم يعيد تركيبها حسب رؤيته، فيعطيها خطاً أنثويّاً من ابتكاره، محتفظاً باللحية كرمزٍ دينيّ يكشف التناقض لدى «رجال اللهفي هذا المعرض، وقع الاختيار على لبنان وإيران وفلسطين سوريا والعراق كي يحُسر عن مجتمعاتها الغطاء، عن طريق الفنّ المعاصر. أمور كثيرة قيلت، وتفسيرات أُطلقت: الملحق الأدبيّ لـ«التايمز» وصف المعرض بأنّه قدّم فرصةً إلى البريطانيين للتّعرف إلى الفنّ في منطقة الصّراعات التاريخيّة، من خلال معرضٍ جماعيّ فريدٍ. نقّاد رأوا في فكرة المعرض اندفاعاً خلف حنين تشارلز ساتشي العراقيّ الأصل لجذوره، بينما تساءلت «لوموند» الباريسيّة عن «غياب مصر وإسرائيل وانفراد إيران بحصّة الأسد من الأعمال». أمّا ساتشي، فيبيّن انحيازه للفنّ «الأكثر إثارة» غير آبهٍ بالاعتبارات السياسيّة. لكنّ الاختيار له تأويلاته أيضاً، فالأعمال تنتقد صميم سياسات هذه الدّول المتعِبة، وتكشف عيوب المجتمعات بلسان أبنائها.
ومن الأمثلة على ذلك «عاهرات طهران»، وهن بطلات منحوتات شيرين فخيم، المصنوعة من مواد بيتية: الصدر من الفواكه، والرأس من أواني المنزل. العباءة الإيرانية ما زالت موجودة، فبنات الليل في إيران يرتدين الحجاب فوق الملابس الداخليّة المرفّهة أو الـ«لانجري». أما الأحذية فبرّاقة وعالية، والشعر المستعار أشقر. المنظر العام لهذه الأعمال بشع ورخيص، يرافقه حسٌ فكاهيّ ساخر. أحياناً تركّب فخيم لبعض التّماثيل أعضاءً ذكوريّة من الموز في إشارة إلى المثليين المنتشرين في شوارع المدينة.
أما الفنّانة الأميركيّة ـــ السوريّة ديانا الحديد، فتنحت العمارة المستحيلة، معتمدةً على تنوّع الأساليب. هناك شيء من كنائس العصور الوسطى، وبعض من سمات العمارة الإسلاميّة، إضافةً إلى الخيال العلميّ. حدائق بابل يُعاد بناؤها إلى جانب حطام برج نيويورك في عملٍ بعنوان «برج المشاكل التي لا تنتهي»، تستخدم فيه البوليمر والجبس والصلب والبوليستيران والكرتون والشمع والدهان. الإصرار على تكرار الشكل الحلزوني يشير إلى تاريخٍ يعيد نفسه. أما في عملها «كل الوقفات»، فتبني الحديد هيكلاً هندسيّاً فخماً من أعمدة بلاستيكية، وقباب وبرج على شكل بوق مقلوب، وزينة من أصابع البيانو تعلو بوابة تشبه القيثارة. ورغم ذلك، يبدو العمل كأنقاض خربة أو مجرد مكان مهجور.
ولعلّ «الخفيّ» هو الصفة المشتركة التي تجمع صور حليم الكريم. يصوّر الفنان العراقي ثلاث لقطات، فيعمد إلى تشويه اثنتين وإخفاء تفاصيلهما، بينما يبرز واحدة بشكل خافت. عناوين صوره «حرب خفيّة»، «شهود خفيّون»، «ضحايا خفيّون»، و«وجه خفيّ»... وفيه تظهر صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كما يصوره الفنّان سنة 1995. رغم ذلك تكاد الصورة تكون مطابقة لصورة صدام الشهيرة بعد اعتقاله 2003.
أما اللبناني مروان رشماوي، فيحضر بعملين «كاوتشوك بيروت» و«طيف، عمارة يعقوبيان». وهذا الأخير هو مجسّم لبناية «يعقوبيان» حيث كان يقطن رشماوي في بيروت حتى إخلاء المبنى خلال حرب 2006. العمل المصنوع من الزّجاج والجبس والقضبان الخشبيّة والألمنيوم، يتميز بعنايته الفائقة بالتفاصيل، من أبواب الشقق وواجهات المحال. هكذا، ينقل رشماوي الإحساس بأنّ هذا المبنى الرماديّ الضّخم أُخلي قسراً، فكل شيء موجود إلّا سكّانه.
«قلنديا 2067» أيّ بعد مئة عام من النكسة، هو عنوان التجهيزٌ الفراغيّ للفلسطينيّ وفا حوراني. من بعيد تكشف مدينة حوراني المستقبليّة عن بلدة فقيرة مضاءة في الليل. البيوت متواضعة وقديمة، تعلو سطوحها القضبان الحديديّة والأسلاك ولواقط التلفزيون. يقسم التجهيز إلى ست قطع، واحدة للمطار، وأخرى لنقطة التفتيش، وثالثة لمخيّم اللاجئين 1، ثم مخيم اللاجئين2، فمخيم اللاجئين 3. لم ينسَ حوراني السياج ونقاط التفتيش. أما الحياة الخاصة للناس، فتجسّدها أشرطة الأفلام المُلصقة على الشبابيك. وبفضل الضّوء الأحمر تنعكس خيالات الشريط للنّاظر، كأنّها تحدث داخل المجسّمات الصغيرة.
معرض «من دون حجاب»، قدّم تجارب عربيّة وإسلاميّة مختلفة تندرج في خانة «الفنّ المعاصر» Contemporary art، علماً أن أكثر من ناقد تساءل عن سبب غياب أعمال الفيديو آرت عن المعرض. وقد تعددت الاتجاهات التي مثلّها أحمد السوداني، وناديا عياري، وعلي بني صدر، وروكني خيرزاده، وخالد حافظ، وحاييف قهرمان، وجعفر خالدي، وليلى خوراميان، وفرساد لابوف، وتالا مدني، وأحمد مرشدلو... فيما شارك بارباد غولشيري وشادي غديريان بمجموعة صور فوتوغرافية.
وأخيراً عرض قادر عطيّة تجهيزاً بعنوان «شبح»، يمثّل نساءً يصلّين بملابس من القصدير توحي بصورة مستقبليّة مرعبة. تخبّئ الثياب ثقوباً بشرية، أو فراغاتٍ معتمة، يغيب فيها الفرد وتحضر الجماعة. أمّا سارا رهبار، فعرضت علماً أميركياً مصنوعاً من أقمشة تقليديّة إيرانيّة، قد يلخص هذا «العلم» ما يخرج به المتلقّي بعد مطالعة المعرض من أسئلة تتعلق بكل ما يمسّ الهويّة والحريّة والفروق الثقافيّة.