اتهامات بالعمالة، فضائح جنسيّة وماليّة، وغيرها من أدبيّات التجريح. الشبكة الافتراضيّة باتت بؤرة لهذه الأسلحة الجبانة التي تشوّه الحياة السياسيّة، من طريق الدسّ الرخيص والأخبار الملفّقة والضرب تحت الزنّار...
فرح داغر
لا يكاد يمرّ يوم من دون أن تطالعك على الشبكة الافتراضيّة حملة تجريح جديدة تطاول شخصيّة عامة، أو أخبار ملفّقة أو صور مزيّفة... هذا التشويه المنظّم يقتصر عادة على مواقع «إخباريّة» إلكترونيّة مزعومة أو مدوّنات شتّى... لكن كتّابها يختبئون خلف الأقنعة، والتواقيع المستعارة، أو بالعكس قد تنسب المصادر إلى جهات سياسيّة معلنة، معاكسة للواقع (والمنطق) تماماً. الخطير في الظاهرة، أنّها باتت سلاحاً فتاكاً يوظّف في الصراع السياسي، ويأخذ مكان المواجهة الفكرية الصريحة. بدلاً من المحاججة، يسود الضرب تحت الزنار، أو نشر الأخبار المضللة والتطاول على الحياة الخاصة. باختصار الغوغائيّة مكان الديموقراطيّة، والحقد الأعمى مكان الاختلاف السلمي القائم على احترام الخصوم.ومن نافل القول إنّ الإعلاميّين هم الضحايا الأول لجيوش الظلام الخبيثة والجبانة التي تلجأ إلى التحريض. لكن الفضائح التي تجذب المتصفّحين، لا توفّر أحداً. هذا السياسي يستعدّ لانقلاب «سرّي» على حزبه، وذاك الوزير اعتقله الإنتربول ثم أُطلق سراحه بعد دفع مبالغ طائلة. تتوالى الشائعات دون أي دليل على صدقيتها... كلّ شيء ممكن في عالمنا العربي، خصوصاً لبنان، حيث لا تحكم الصراع السياسي أية معايير. مدوّنة «فيلكا إسرائيل» هي الرائدة في تلفيق الأخبار وتشويه سمعة الصحافيّين، خصوصاً المحسوبين على ما يعرف تجاوزاً بـ«الاعتدال العربي»، من الفضائح الجنسيّة الملفّقة وصولاً إلى الاتهام بالعمالة وقبول الرشوة. وقد تلتها مدوّنة أخرى هي «فيلكا سوريا» التي يوضح عنوانها، أنّها «تشمل برعايتها» مناصري محور الشرّ، والمحسوبين على المحور السوري ــ الإيراني... وتعتمد المدوّنة «السوريّة» المنحى المبتذل نفسه الذي تمتاز به أختها الكبرى «الإسرائيلية»... وإن كانت لا تضاهيها في القدرة على الابتكار!
الجنس والمال والعمالة، هي الأقانيم الثلاثة التي تحكم هاتان المدونتان. وإذا كان المبشّرون بـ«ثقافة الحياة» يتّهمون «محور الشرّ» بالوقوف وراء «فيلكا إسرائيل» وأخواته، فماذا ترانا نقول عن موقع «السياسي» الذي جاء ليخلق نوعاً من «التوازن» في معركة التجريح الإعلامي. أوّل ما يجذبك فيه هو سيطرة الأخبار الفنية الفضائحية على محتواه، ما لا يتماشى مع عنوانه الذي يوحي بمشاغل سياسية واستراتيجيّة. أسماء مستعارة، غالباً تذيّل المقالات التجريحيّة والعشوائيّة التي تجمع السجال السياسي بالطعن الشخصي، وبينهما التعليقات السطحيّة والنبرة الشعبويّة وهلمّ جرّاً... وينال صحافيّو «الأخبار» قسطاً لا بأس به من اهتمام الموقع، بين مقابلات فنيّة وفضائح جنسيّة وتحليلات سياسيّة «محكمة» و«رصينة». قد تكون هذه المواقع جزءاً ممّا بات يعرف اليوم بعملية «تبييض الإعلام». والتعريف العلمي لهذه الظاهرة هو أن تخلق الأنظمة أو الأحزاب مواقع إلكترونية مجهولة تنشر أخباراً كاذبة لتعود هذه الجهات نفسها لتبنّي هذه المعلومات بصفتها صحيحة وأكيدة. ولسوء الحظ، سقط عدد من الوسائل الإعلامية اللبنانية والعربية في هذا الفخّ، بل صارت تلك المواقع مصدراً للساعين إلى «سبق» صحافي سريع وسهل ومثير... إنّها «المواقع الصفراء»، احذروا الإرهاب الافتراضي!