مبادرة مستقلّة متخصصة في الأفلام التسجيليّة دمشق ــــ زاهر عمرين
ليلة افتتاح الدورة الأولى من «أيام سينما الواقع» عام 2008، انتظر المشاهدون أن يُلقي أحد المنظمين كلمة يقدّم فيها التظاهرة، على غرار ما يحدث في المهرجانات والتظاهرات الثقافية. لكن ما إن حلّ الموعد المنتظر، حتى بدأت آلة العرض السينمائي تدور بصمت، لتعرض فيلم الافتتاح. لا خطابات ولا كلمات شكر ولا بهرجة من أي نوع. إنه الاحتفاء الأقصى بالسينما، حيث لا مكان لشيء إلا للفيلم التسجيلي.
وهذه المبادرة المستقلّة، الجديدة من نوعها في سوريا، تعود إلى الجمهور قريباً (4 ــــ 14 آذار/ مارس)، في طبعة ثانية ازدادت نضجاً ودسماً. نظرة إلى برنامج الدورة الثانية من «أيام سينما الواقع» الذي توضع عليه اللمسات الأخيرة حاليّاً، ونتيقّن من أن المغامرة لم تعد تقتصر على تقديم عدد من الأفلام الجيدة فحسب، بل هناك تطور ملحوظ في صلب صياغة المهرجانعلى صعيد الأفلام المشاركة، تتضمّن تظاهرة المختارات الرسميّة 21 فيلماً من حول العالم، تتنافس على جائزة المهرجان الوحيدة، وهي جائزة الجمهور... كذلك تشارك أربعة أفلام من أهم وأحدث الإنتاجات الوثائقية العالمية، في تظاهرة «روائع المهرجانات». من جهة أخرى، ستتضمن دورة هذا العام تظاهرة «لقاء مع مخرج»، وسيلي عروضها لقاء مفتوح مع مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي نيكولا فيليبير ليتحدث عن تجربته الطويلة في هذا المجال. كذلك تتضمن فاعليات المهرجان تظاهرة «صوت امرأة» وستترافق مع ندوة عن «تمكين المرأة وتمثيلها في السينما» تديرها المحاورة رشا السلطي، وتظاهرة «ملاحظات عن الحرب» وستليها ندوة عن «تجربة الفرد في الحرب بالعلاقة مع الفيلم التسجيلي» وسيديرها الصحافي وسيم إبراهيم.
أما اختيار أفلام الدورة الحاليّة، فتولته لجنة مؤلفة من ثمانية أشخاص، من خارج الأسماء السينمائية المكرسة في سوريا. الاعتماد على لجنة كهذه أسهم في «تحرير اللجنة من الاعتبارات الشكلية، كالقدرة على رفض فيلم لا يقنعها رغم أن صانعه من مشاهير المهنة... وهذا أصعب بكثير على لجنة من المختصين!» بحسب عروة النيربية، أحد مؤسسي التظاهرة الذي يشير إلى أنّ إضافة بعض التظاهرات هذا العام جاء «لعرض أفلام من حقبات ومدارس فنية مختلفة، تتقاطع في همها السياسي ــ الاجتماعي. أما الندوات اللاحقة للعروض، فستكون مساحة للربط بين السينما التسجيلية والهمّ اليومي لجمهورها».
على الجانب الآخر، يحاول «أيام سينما الواقع 2009» استقطاب المزيد من الأسماء المهمّة في عالم الفيلم التسجيلي. هكذا يستضيف المهرجان المخرجة المغربية ــ الهولندية المخضرمة فاطمة جبلي وزاني التي غاب اسمها عن ساحة السينما العربية، رغم بروزه عالمياً. كذلك اختير فيلم الافتتاح «ولو في الصين»، للمخرج الجزائري مالك بنسماعيل الذي سيحضر عرض فيلمه، وهو من العلامات الفارقة على خريطة الإنتاج التسجيلي في أوروبا. وتتضمن المختارات الرسمية أيضاً، فيلم اللبناني سيمون الهبر «سمعان بالضيعة» الذي شارك أخيراً في «مهرجان برلين السينمائي»، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المخرجين الشباب والمخضرمين من سوريا ولبنان وفلسطين، وأيضاً سويسرا والدنمارك وألمانيا وبريطانيا... وروسيا والولايات المتحدة.
ويشهد الجزء الموجّه إلى المتخصصين تطوراً ملموساً هذا العام، يتمثّل في استحداث مجموعة من الأنشطة في مقدمها ورشة عمل بعنوان «كتابة الفيلم التسجيلي». سيدير هذه الورشة كل من المستشار والمدرب الدولي توه ستين موللر، ورئيس شبكة الوثائقي الأوروبية المنتج مايكل أوبستروب، ويشارك فيها 12 مخرجاً مهتمين بالتوصّل إلى صياغة أفضل لمشاريعهم. ويسعى المنظمون إلى دعم المشاريع المشاركة في الورشة، من خلال عرضها على ضيوف النشاطات التخصصية في «لقاء المنح والمهرجانات» الذي سيضم مندوبين عن المنح المعنية بالسينما التسجيلية. يأتي هذا التوجه ضمن «محاولة للتجاوب مع الحاجة إلى فرص تدريبية، في ظل غياب معهد سينمائي متخصص في سوريا»، كما تقول ديانا جيرودي أحد مؤسسي التظاهرة. البحث عن الاختلاف هو العنوان العريض لـ«أيام سينما الواقع 2009»، ويبدو ذلك واضحاً من خلال صياغة النشرة اليومية الصادرة عن المهرجان، وهي نتيجة ورشة عمل عن النقد السينمائي تضم مجموعة من الصحافيات العربيات الشابات.
ويتطلع المنظمون إلى نقل «أيام سينما الواقع» إلى عدد من الدول العربية، على أمل أن تتجاوز جولة المهرجان المدن السورية وتصل إلى مدن عربية أخرى، مثل بيروت وطنجة وعمان والجزائر. تقول الجيرودي: «من المعيب أن تقبع الأفلام المعروضة على الرف يأكلها الغبار، وهي محجوبة عن جمهور أوسع». وتضيف: «الهدف هو إيصال هذه النسخ المترجمة من روائع السينما التسجيلية إلى الجمهور في مختلف البلدان العربية، والمساهمة في تنشيط العمل الثقافي في بلدان تتقاسم أشكالاً متقاربة من الثقافة والمشاغل الاجتماعيّة والسياسيّة».
القيمون على «أيام سينما الواقع» أمام امتحان مفتوح يبدأ في 4 آذار (مارس) في «سينما الكندي» في دمشق حيث يفتتح المهرجان، ثم تنتقل التظاهرة إلى مدينتي حمص وطرطوس حيث ستعرض الأفلام التسجيلية وتستمرّ أربعة أيام، وتختتم في 15 آذار.
www.dox-box.org