نجوان درويشلا نهدف إلى مساجلة الزميل عثمان تزغارت (الأخبار 16/ 2/ 2009) على خلفيّة تغطيته لـ«مهرجان الأفلام التسجيلية» المقام حالياً في باريس تحت شعار «سينمائيون ضد الحرب والاحتلال». هذا المهرجان الإسرائيلي في تنظيمه ومقولته، و«الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني» (بمشاركة المخرج السوري عمر أميرالاي) حسبما قُدّم للإعلام، وكما قدّمه عثمان فوق هذه الصفحة.
كل ما في الأمر أننا وجدنا في المقالة المشار إليها مناسبة لتناول هوس الإعلام العربي، في السنوات الأخيرة، بظاهرة «السينمائيين الإسرائيليين الجدد» (على وزن «المؤرخين الجدد»). «السينمائيون الجدد» هؤلاء يُقدّمون في الإعلام العربي تحت يافطات فضفاضة: سينما «ضد الاحتلال» و«ضد الصهيونية» و«تقدّمية»... من دون أن تُعرَّف هذه التوصيفات وماذا تعني عمليّاً. حتى «التضامن مع غزّة» يحتاج إلى تعريف في سياق كهذا. ولا يظنّنَ أحد أنّنا نتحدث عن «رجعيين» و«يساريين سابقين» فحسب، بل إنّ هذا الهوس بـ«السينمائيين الإسرائيليين الجدد» يتعداهم إلى أهل المقاومة والممانعة! لهذا، فالمسألة تحتاج إلى نقد ذاتي متّزن في المقام الأول.
إن أيّ فحص لمزاعم «مناهضة الاحتلال والصهيونية» و«التقدميّة» سيكشف أنّ معظم من نسمّيهم «السينمائيين الجدد» ليسوا «ضد الاحتلال»... إلا بالمفهوم الصهيوني للاحتلال، وأنهم في المحصّلة يعملون ضمن الأطر والمفاهيم الصهيونية، بغض النظر عما يصدرون من خطاب، وأنّ صفة «التقدمية»، التي تغدق عليهم بسخاء عربي، تصدر عن وعي معطوب، من الجائز لديه أن يكون المحتل تقدمياً أو يكون التقدميّ محتلاً. أما العنصرية والاستشراق وتزييف التاريخ الذي تقدمه أفلامهم، فلا يراها نقّادنا في حمّى هوسهم. تصديق «التقدمية» و«مناهضة الاحتلال والصهيونية» يبدو تسليماً ساذجاً بالصورة التي يودّ هؤلاء تقديمها للعالم. وبغض النظر عن صدور هذه الموافقة العربية عن تبعية ذيليّة أو نيّات حسنة، فلا فرق في النتيجة، أي المساهمة في تضليل الوعي العربي، وبيعه بضاعة فاسدة.
الأمر لا يحتاج إلى تحليل مركّب. ببساطة شديدة، الذين يجري تقديمهم في الصحافة العربية كمناهضين للاحتلال، يناهضون فقط احتلال «كانتونات» الضفة الغربية و«غيتو» غزّة، ولا مشكلة لديهم مع احتلال عام 1948، وهو الاحتلال الأكبر الذي تعرّفه الجماهير العربية باحتلال فلسطين. وهؤلاء، بهذا المعنى، «وطنيون إسرائيليون»، وتعاملنا معهم على غير هذا الأساس خداع مفرط للذات، ومساهمة في التضليل الإسرائيلي.
بالطبع ظاهرة «السينمائيين الإسرائيليين الجدد»، وهوس بعض «النخب» الثقافية العربية بها، مسألة تحتاج إلى تحليل أعمق وأوسع من الحيّز المتاح لهذا التعليق.