رشا أبو زكيأهو فرض؟ أهو واجب؟ هذا ما سألته لنفسي حين بدأت الشكوك تعبث بقلمي وأنا أكتب إليك، فأنا كما تعلم بعيدة عن أحكام ما يسمّونه الإله ولن أستوعب أساطيره، ومقتنعة بأنك حالياً لا تقرأ ولا تسمع ولا ترى، ولا تشعر بصلاة إن تلوتها، ولا بأمنية إن طلبتها... وصراحة لم أعلم أن عدداً من صفحات الجريدة سيخصص لك، وصراحة سألت مرة واحدة منذ حوالى أسبوع إن كان أصدقاؤك سيستذكرونك في يومك، ونسيت بعد هذا السؤال أن أسأل، وصراحة أيضاً لم أعتقد أن ذاكرتي ستستعيد حدث السؤال والنسيان هذا... اسمعني، سأحدثك لأنك كنت أول شخص أتعرف إليه، أعتاده، ومن ثم يرحل فجأة، وبالمختصر أنت تجربتي الأولى مع الموت على رغم أنني في يومك هذا تصبح سنوات عمري 26 عاماً... والآن، وبعد سنتين من غيابك، وبعدما فعل النسيان فعلته في ذاكرتي، واغتالت الأيام بعض الحنين والأمنيات، أصبحت أستطيع البوح بما يجول في خاطري. فقد شغلتني حادثتك بأسئلة غريبة جداً: لماذا لم توصِ بألا تقام لك جنازة؟ فقد تمنيتك نشيد الموتى في بيتك ووردة حمراء توضع على جسدك قبل أن يدخل إلى أحد المستشفيات لتتوزع أعضاؤك على من يرغب بحملها بضع سنوات.
هل تعلم أنك جعلتني أدمن كرسيّاً وكمبيوتراً وغرفةً ظنّاً منّي ولبلاهتي أنني أكمل مسيرتك؟
هل تعلم أن رحيلك كان مخيباً للآمال؟ فقد كنت أتمناك واقفاً قرب «الأسونسير» تحمل الجريدة في أعدادها الأولى، تصرخ فينا بصوت مرتفع: ها هو حلمي في يدي، وأنا سأرحل غداً، لا تكونوا سخيفين، لا تعتبروا أن جريدتكم هي حزبكم الجديد، لا تظنّوا للحظة أنّ لي منّة عليكم، إن أردتم ارحلوا. وتكرّر: ها هو حلمي في يدي...
سأخبرك بأن فلسطين ليست بخير، وأن كثرة الأوجاع التي أصابت قلبي سهّلت علي تجربة الموت الأولى التي رميتني بها. سأخبرك أن النظام الرأسمالي في ورطة كبيرة، وأن فؤاد السنيورة بات يحبّ القطاعات الإنتاجية، وأننا كنا لنستمتع في قراءتك لهذا الحدث الجلل. سأخبرك أن المقاومة تبعثرت في مستنقعات السياسة، ولن يفيدني بعد اليوم أن ترحّب بكتابات تنتقد ثغرات في حراك هذه المقاومة وكيفية تكاملها على صعيد السلاح وتلبية القضايا الاجتماعية والاقتصادية. سأخبرك بأنّ بعض المجرمين يظهرون بوقاحة لا مثيل لها على التلفزيون ويتحدثون عن حقوق الإنسان. سأخبرك باختصار بأن لبنان لا يزال في وضعه الطبيعي ولم يتغيّر، لو كنت هنا ربما كان خطك أكثر احمراراً، ربما كنت حملتنا في راحتيك ووضعتنا في جيب قميصك الأبيض، وهاجرت بنا إلى افتتاحية تحطم كل القيود المفروضة. أو كنت بكيت أو تألمت أو أمرت قلبك بأن يتوقف قسراً... ولو كنت هنا لكان الوضع مختلفاً. مختلفاً جدّاً ربّما.