تحلّق محبّو الفنان الشاب في «دارة الفنون» في عمّان، ليفتتحوا معرض «حسن في كلّ مكان»، في ذكرى رحيله السادسة. لوحات رسمها تروي حياته وهو يخيط سماء فلسطين ويبتسم في بطن أمّه
أحمد الزعتري
ما أسهل الكتابة عن الموتى. هم لن يوقظوك عاتبين على خطأ في وصف لوحة أو تأويلها. الموتى لن يفعلوا شيئاً سوى الجلوس مغمضي الأعين في لوحاتهم، تماماً كحسن حوراني (1974 ــــ 2003)، في معرضه «حسن في كل مكان» الذي تستضيفه حالياً «دارة الفنون». بدت عمّان منشغلة بحسن حوراني وقصّته: الصحافيون تناقلوا البيان الصحافي متسائلين: «هل مات غرقاً فعلاً؟»، متوقفين أمام لوحة «حسن والقمر الصغير» التي يحلّق فيها الصبي حسن فوق موج البحر وتحت قمر صغير.
وفي مكان آخر في عمّان وبعد ساعات من افتتاح المعرض، وقفت الشاعرة الفلسطينيّة الأميركيّة سهير حمّاد على منصّة مقهى الـ«كورت يارد» لترثيه: «جنين تهمس باسمك... وبروكلين أيضاً». المخرجة آن ماري جاسر كانت هنا، فيلمها «ملح هذا البحر» تضمّن مشهداً لغرق حسن في بحر يافا. فما سرّ هذا الانشغال؟
ولد حوراني في الخليل، وتخرّج من «أكاديمية بغداد للفنون الجميلة» في العراق (1997)، عاد بعدها إلى فلسطين. سافر عام 2000 إلى أميركا للعمل على مشروع كتاب فنّي «حسن في كل مكان»، عاد إلى فلسطين عام 2003 لإتمام الكتاب، لكنّه توفي غرقاً مع إبن أخته في بحر يافا.
هذا الكتاب الذي صدر أخيراً عن «مؤسسة عبد المحسن قطّان» يتضمّن نصوصاً مرفقة بنماذج عن اللوحات (السكيتشات) التي لم تستكمل، وظلّت على حالها في المرحلة الأولى قبل أن يتم تلوينها عدا خمس لوحات.
إنه «حسن» إذاً: «حسن ينام على ورق الورد»، «حسن يتجلّى»، «حسن والوحوش»، «حسن يخيطُ ثقباً في السماء»، «قصة حسن في بطن أمه»... حسن الصبيّ الذي يرتدي «دشداشة»، مبتسماً في كل لوحة، هانئاً ووادعاً كحلم، غير معنيّ بعاصفة «لوحة العاصفة»، أو ألم «حبّة الألم». حسن المعنيّ بتجلّيات الحياة وأسرارها، أقمارها وبحورها وفاكهتها ومفاتيحها وغسيلها المنشور على أسطح المنازل بفوضويّة... ولا يقطف منها إلا ما يسرّه. وسط حضور مسيطر للبحر في معظم اللوحات، الأمر الذي ظهر وكأنه استشرافٌ لمصير أو حب يأسر فيقتل، أو فتنة لا فكاك منها.
هنا في لوحة «حسن يخيطُ ثقباً في السماء»، يحلّق حسن فوق أرض محترقة لا نستطيع تأويلها إلا كفلسطين. وبينما تشتعل تلك الأرض بمبانيها وأشجارها، ينشغل حسن بخياطة ثقبٍ في السماء ليمنع الحمم من السقوط. لكن حسن يعرف أنه يعيش في حلمه، بدليل ابتسامته العبثية والغبيّة.
وفي لوحة «الطائر الصغير وبيوت الزجاج»، يُطلّ حسن من نافذة قاطرة على جسر يصل إلى جزيرة بأبراج تخلط بين أبراج «بيزا»، «إيفل»، «بابل»، وحتى «الإمباير ستايت».
وعلى هذا المنوال يستمر حسن بالظهور بمواقف متعددة في 35 لوحة بقياس واحد تقريباً 100X70، تم تلوين 5 لوحات منها فقط بالألوان المائيّة.
فنيّاً، يمكن، بسهولة، تمييز مدارس الفن التشكيلي العصرية، وخصوصاً الوحشية والتكعيبية والرمزية: المدارس التي هيّأت الأجواء الفنيّة في منتصف القرن الماضي لظهور السرياليّة. وإن كان النقاد يردّون دوماً «تحليق» شخصيات اللوحة إلى الفنان الروسي ــــ الفرنسي مارك شاغال، فإن هذا التأويل يأخذ منحى الترف في تأويل أعمال فنّانين «من المفترض أن يلتفتوا إلى قضاياهم»، بحسب الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلّم. بل يذهب إلى أن الفنان الفلسطيني يجب أن يعتني بقضيته ويشتغل على أعمال «سياسيّة مباشرة».
لكن خالد حوراني، شقيق حسن، يفتخر بالحالة الإنسانيّة التي فرضها حسن، فالأرض التي يدافع عنها تحتوي على «بشر وطيور وكائنات، وليست مجرّدة كالكلمة»... رغم كل شيء يلتفت حسن إلى رحم أمه. هنا لوحة «قصة حسن في بطن أمه»، حسن يبتسم أيضاً في بطن أمه التي يصطفّ تحتها 7 أقمار «شرب من لياليها»، وتحيط بها 7 مفاتيح، كل واحد منها يشكّل حلماً لأمه.


حتى 19 آذار (مارس) المقبل ـــــ «دارة الفنون»، عمان : 96264643251+