خليل صويلحاختار المصوّر الضوئي جابر العظمة (1973) مفردة شائعة هي «الخيول» كي تكون في مرمى العدسة. لكن ما نشاهده في معرضه الأول «مجازات» الذي تستضيفه حالياً «غاليري أتاسي» في دمشق، ينسف كل التصوّرات الجاهزة عن هذا العالم المثير. صور بالأبيض والأسود تعتني بتفصيل محدد من جسم الحصان، فتتحول اللقطة فجأة إلى منظر تجريدي مفتوح على احتمالات لا تحصى: هضاب ومنحدرات في برّية، منحنيات تلتقي وتفترق، أجساد أنثوية ربما. هذا التضاد الصارم بين الأبيض والأسود هو ما يمنح الصورة أبعاداً من خارجها، ويضفي عليها انطباعات حسيّة في الغالب، كأنّ فكرة الحصان مجرد ذريعة لامتحان العدسة وقدرتها على استنباط أشكال بعيدة عن الأصل. هكذا تتحوّل الخطوط والانحناءات في جسم الحصان إلى كتلٍ بصرية تستحضر أطيافاً ومجازات تكاد تكون قصائد بصرية: عنق الحصان الطويل ينسدل عليه شعر منساب كما لو أنّه لامرأة في وحدتها.
تضاريس أم جسد؟ لن يجيب جابر العظمة، بل يترك العدسة تنطق برغبات مضمرة، تنطوي على نبرة شعرية في تعامله مع الضوء والفراغ والكتلة. وإذا ببريّة من عشب وصهيل وأشواق تقتحم المخيّلة، ذلك أنّ المرجعية التشكيلية حاضرة بقوة في مقارباته البصرية التي تماثل منحوتات تجريدية في العراء.
في المقابل، علينا أن نتذكّر هنا جمال الحصان نفسه كمادة للتصوير، هذه الثيمة التي أغرت مصوّرين كباراً في تثبيت لقطة جمالية بأشكال متعددة، تكشف عن ثراء عالم هذا الكائن وقدرته على الاستجابة لحالات مؤنسنة. لعل مجموعة المصوّر يان آرتوس برتران مثالاً ناصعاً على تمثّل هذه الخصوصية. لكنّ أعمال العظمة تذهب إلى منطقة نائية، تُسقط الفوتوغرافية من حسابها، لتؤكد تشريح كتلة محددة من الجسم، نحو إحالات أخرى تستنفر الضوء والظل في تشكيلاتها ومقاصدها البلاغية.
«كدت أسميّ المعرض نساء»، يعلّق جابر العظمة. لعلّه محق تماماً في قوله، ذلك أنّ ما نراه، في نهاية المطاف، يشبه أجساداً تنضح بالشهوانية. ألم تكن الفرس إحدى مفردات الشاعر العربي القديم في وصف امرأة جامحة وعصيّة ومتمردة؟