زينة منصوروسط الأحداث الكثيرة التي شهدها عام 2008، احتلت وثيقة تنظيم البث الفضائي التي حملت عنوان «مشروع مبادئ تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية»، والتي تبنتها الدول العربية، صدارة المشهد الفضائي. وقد أثارت جدلاً لم ينتهِ، بعدما عُدّت بمثابة إعلان حرب على الفضائيات، وخصوصاً أنها تفرض «قواعد تنظيمية» على المحطات، تمنع فيها التهجم على الأنظمة أو التطاول على الرموز الوطنية والدينية. كما أعطت السلطات الحكومية في كل بلد عربي حق سحب تراخيص العمل من قنواتٍ وصفتها بـ«المسيئة».
في السياق نفسه، ألغت محكمة مصرية حكماً بحبس هويدا طه، المعدّة في «الجزيرة»، من تهمة «الإضرار بالمصالح القومية لمصر وتشويه سمعتها»، وأسقطت حكماً بسجنها ستّة أشهر. وذلك بعدما ألقي عليها القبض مطلع 2006 في مطار القاهرة، وبحوزتها 50 شريط فيديو، تتضمن مقابلات ومشاهد تعذيب في سجون مصرية. كما أطلق سراح مصوّر «الجزيرة» سامي الحاج من معتقل غوانتانامو.
وفيما بقيت حرية الصحافة وسلامة الصحافيين على المحك، سطع في 2008 نجم رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية صالح اللحيدان الذي أطلق فتوى، أجاز فيها قتل مالكي الفضائيات العربية، واصفاً إياهم بالمفسدين في الأرض.
والسنة المنصرمة أبت الرحيل من دون حدث يثير الجدل، مثل قيام مراسل قناة «البغدادية» العراقية منتظر الزيدي برمي الرئيس الأميركي جورج بوش بحذائه أثناء مؤتمر للأخير في العراق. الحدث الذي حول الزيدي إلى شخصية عالمية، فتح النقاش حول أداء الإعلاميين بموجب المعايير المهنية من جهة، وقدرة الصحافي على الاحتفاظ بموضوعيته في ظلّ الاحتلال.
في المقابل، مثّلت 2008 سنة الاختبار الفعلي لمشاريع القنوات العالمية الناطقة بلغة الضاد، والهادفة إلى كسب عقول المشاهدين العرب وقلوبهم، عبر إحداث تغيير في الخطاب الإعلامي والسياسي داخل المنطقة، وتقريب هؤلاء المشاهدين من الغرب. وبعد «الحرة» الأميركية، و«فرانس 24»، و«دويتشه فيله» الألمانية و«روسيا اليوم»... كان موعدنا مع «أورونيوز» التي أطلقت خدمة تلفزيونية عربية تستهدف حوالى 15 مليون مشاهد عربي في أوروبا و250 مليوناً في العالم العربي. كذلك أبصرت النور النسخة العربية من «بي بي سي» البريطانية. وفيما لم تحقق كل هذه المحطات حتى اليوم أي صدى ملموس، تقف «الجزيرة الإنكليزية» في الاتجاه المعاكس، محاولة كسر الصورة النمطية عن العرب في العالم الغربي. ووسط كل ذلك، ما زال المتابعون يأخذون على الفضائيات العربية اهتمامها بالربح ورضى المعلنين والتسلية، على حساب المعالجة العميقة للمواضيع والقضايا المصيرية التي نعيش.
من هنا، ووسط الاهتمام المتزايد بالمسلسلات التركية المدبلجة إلى السورية، وفي غمرة التزاحم على استقطاب المشاهدين، يتحضر تلفزيون «أبو ظبي» لإطلاق قناة إخبارية متخصصة، وبميزانية كبيرة. في المقابل، شهد 2008 فورة فضائيات جديدة، من «أم بي سي الفارسية» و«أم بي سي ماكس» و«أم بي سي بلاس» المواكبة للمسلسلات التركية، مروراً بقناة «نور دبي»، وصولاً إلى «القدس» الفلسطينية، و«الحياة» و«أون تي في» و«بانوراما دراما» و«موجة كوميدي» من مصر و«شام» و«دنيا» السوريتين...
أما الميديا الجديدة (New Media) التي شهدنا مفاعيلها الثورية على الشاشة والمواقع الإلكترونية، فتعدّ من أهم الإنجازات التكنولوجية المحفزة لديموقراطية نقل المعلومات وتبادلها الحر بين الناس وعبر وسائل الإعلام. وأول المواكبين لهذه الموضة عربياً، هو قناة «الجزيرة» التي أطلقت أخيراً مشروع منصة صحافة المواطن تحت عنوان «شارك» الذي يشبه مشروعي «سي أن أن أي ريبورت» (CNN iReport) و«بي بي سي يو ساند» (BCC YOU SEND).