strong>صباح أيوب «خضّات» المؤسسات الإعلامية اللبنانية هذا العام جاءت على قدر توتر وضعه السياسي طوال السنة: إقفال بقوة السلاح، حرق مبان، دعاوى قضائية، تهم بالاختلاس، حجز ممتلكات، منع من البثّ، وإطلالة متلفزة للـ«سي آي إيه»... المشهد الإعلامي المحلّي قاتم، وخصوصاً مع زيادة حدّة الخطاب الإعلامي ـــــ السياسي ـــــ الطائفي وتصاعد الخلاف في المؤسسات الإعلامية نفسها، وبينها وبين السلطات. اضطرابات داخلية وأخرى ميدانية أثّرت على أداء معظم المحطات المحلية، التي برهنت عن استعداد كامل للتحوّل إلى طرف في الصراع والتحريض والدعاية السياسية في أي وقت.
استفاقت سنة 2008 على تفجّر خلاف محقون بين رئيس مجلس إدارة شركة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بيار الضاهر ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، زعزع الهيبة التي طالما تحلّت بها المؤسسة ذات السنوات الثلاث والعشرين: القوات يريدون استرجاع «إل بي سي» والضاهر لن يتخلّى «بسهولة» عن مشروع حياته الناجح. رفع جعجع شكوى قضائية ضد الضاهر بتهمة سرقة أموال وتهريبها، ولم يصدر بعد أيّ حكم في القضية. في هذه الأثناء، استمرت البيانات والبيانات المضادة بين حليفي الماضي، فهبّ القواتيون لـ«حماية المؤسسة من ممارسات الضاهر»، مذكّرين بـ«تضحيات شباب القوات». ردُّ الضاهر، المدعوم من المساهم الأكبر في فضائية المؤسسة الأمير الوليد بن طلال، جاء عبر فكّ العقد الإعلاني الحصري بين القناة الفضائية وأنطوان الشويري أخيراً. وقد ترافق الجوّ المحموم ذاك مع فوضى في التوظيفات والتعيينات والصرف.
ربيع 2008 بدأ ملتهباً مع أحداث أيار (مايو) التي شهدت إعلامياً أسوأ مظاهر التحريض والتشويش والاعتداء... بعد مواكبة إعلامية كانت أشبه بتعبئة من المحطات التلفزيونية المحسوبة على الأحزاب السياسية المتصارعة، أُقفل في 9 أيار مقرّ محطة «أخبار المستقبل» وأُحرقت مكاتب جريدة «المستقبل» على أيدي مسلّحين. اعتداء مسّ ما بقي من حرية للتعبير في لبنان تحت شعار كمّ الأفواه المحرّضة. وبعد استنكار واعتصامات تضامنيّة، عادت «أخبار المستقبل» لتبث مجدداً بعد خمسة أيام من استوديوات في «بيروت هول». لكنّ عودة الشاشة الزرقاء لم تكن على قدر المسؤولية في تلك المرحلة الحساسة، إذ اتسمت لهجة العائدين بتعابير انتقامية ومضمون طائفي زاد من حدّة النزاع، كما سُجّلت لبعض الصحافيين تصريحات وتعابير يمكن اعتبارها نقاطاً سوداء في سجلّهم المهني. واستمرّت تردّدات أحداث أيار لتطال أخيراً الصحافي في جريدة «المستقبل» عمر حرقوص الذي تعرّض لاعتداء خلال قيامه بواجبه المهني في أحد شوارع الحمرا، فيما اعتداءٌ من نوع آخر طال السلطة الرابعة. إذ إن ما جرى بين قناة «الجديد» والوزير السابق شارل رزق هو خير دليل على تسلّط النفوذ السياسي على الإعلام. بعد تسريع بتّ قضية الوزير السابق، قامت دائرة التنفيذ في بيروت بتاريخ 10 أيلول (سبتمبر) بحجز احتياطي على ممتلكات «الجديد»، بدءاً بالأقلام وانتهاءً بغرف الاستوديوات ومعدّات البث والتسجيل. شكوى قدح وذمّ مقدمة من الوزير السابق شارل رزق إثر حلقة من برنامج «الفساد» (إعداد وتقديم غادة عيد) تناولت أحد ملفاته. وأخيراً صودرت سيارات تابعة للقناة والمسلسل مستمر، إلى أن دفعت المحطة مبلغ 50 مليون ليرة لرزق. قصّة إبريق الزيت تتكرر كل سنة مع «المنار» التي تزداد محاولات منع بثّها، حتى في بلاد حرية التعبير والدفاع عنها. إذ جاء دور ألمانيا التي منعت ـــــ بقرار وزاري ـــــ بث المحطة في الفنادق والأماكن العامة، وانضمت إليها أوستراليا وتايلاند في وقف استقبال القناة الفضائية لـ«المنار» بتهمة «التحريض على الإرهاب والعنف».
ملوك «محاربة الإرهاب» أطلّوا بدورهم، وهذه المرّة شخصياً على شاشة «المستقبل» الفضائية في الولايات المتحدة، التي تبيّن أنّها تبثّ إعلانات توظيف مدفوعة للـ«سي آي إيه» CIA. كما رعت وكالة الاستخبارات الأميركية أخيراً برنامج «سيرة وانفتحت» (إعداد وتقديم زافين قيومجيان) على المحطة نفسها.
بعد عام «الخضّات الإعلامية»، وفي ظلّ أزمات تصاعدية تلوح في الأفق، يبقى السؤال: أي إعلام نريد، ولأي غاية؟