ساركوزي وبروني في شهر العسل، أوباما وزوجته وجدّته والكلب، بوتين والجودو والنمر المرقّط... صور احتلّت الشاشات والصحف العالميّة ومثّلت عنواناً عريضاً اختصر أداءها للعام المنصرم
صباح أيوب
هي سنة «إعلام الأضواء» بامتياز. أضواء سلّطتها وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة على شخصيات كانت هي... الحدث. وضعت الشاشات هالات حول بعض الأسماء والوجوه فجعلت منها أيقونات، وبات الاهتمام العالمي بالمواد الشخصية أكثر من الحدث بحدّ ذاته وتبعاته وظروفه. نقلة إعلامية نحو المضمون السريع والخفيف غيّبت أي محاولة إعلامية لـ «تسجيل موقف» أو إحداث تغيير. نيكولا ساركوزي وكارلا بروني في شهر العسل ـــ باراك أوباما وزوجته، وجدّته، والفتاتان والكلب، فلاديمير بوتين و... الجودو والنمر المرقّط، رشيدة داتي... والمولود المنتظر والخاتم الماسي، ساره بالين و... حمل ابنتها، وأفلام البورنو وغيرها... لكن هذا الانحياز إلى شريعة الأضواء والفضائح خرقته إنجازات إعلامية تكنولوجية وقرارات مصيريّة على الصعيد المهني في بعض الدول، إضافةً إلى أزمة مالية مثّلت تهديداً وجودياً لبعض وسائل الإعلام.
«إمبراطور الإعلام» كما سمّاه الإعلام الفرنسي نفسه، نيكولا ساركوزي، كان الحدث ـــ الصورة على الأغلفة والشاشات وفي الإعلانات التجارية. «الرئيس بلينغ ـــ بلينغ» كسر الرقم القياسي بالإطلالات الإعلامية ما دفع وسائل الإعلام للدعوة إلى حملة لمقاطعة... صورته! وزاد الطين بلّة «حدث» زواجه بعارضة الأزياء السابقة والمغنية كارلا بروني. لحقت الكاميرات الثنائي الجديد في لقاءاتهما الحميمة، في شهر العسل وفي أوقات فراغهما! ساركوزي برز أيضاً على صعيد آخر، أكثر جدّية. إذ إنّ الإعلام كان من أولويات خططه الرئاسية، لذا بدأ «نابوليون العصر» تنفيذ سياسة أحادية سجّلت حتى الآن، فوضى على الصعيد الإعلاني، والفضائي، والإعلام الرسمي ما جعل من المؤسسات الخاصة الرابح الأكبر في «الموجة الجديدة»، التي وعد بها «ساركو». فرنسا شهدت أيضاً وداعاً متلفزاً تاريخياً، عندما أعلن الصحافي باتريك بوافر دارفور في آخر نشرة أخبار له، استقالته من محطة TF1 بعد 21 سنة من العمل فيها. ترقّب وعدم استقرار عاشته المؤسسات الإعلامية الفرنسية ولا تزال، وخصوصاً أنّ ساركوزي ومعاونيه مستمرّون في خططهم الإعلامية حتى النهاية.
وجه رئاسي آخر، كثيراً ما كان محطّ انتباه الإعلام، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ـــ حتى بعد انتهاء عهد رئاسته ـــ بقي بطل الصورة الإعلامية الجذابة. قيصر روسيا الجديدة، لا ينكر اهتمامه بصورته صناعةً وتسويقاً. لكن الأمر تخطّى إطار «السوق» المحلية الروسية ليصل إلى الإعلام العالمي الذي دخل «عديداً وعتاداً» في خدمة تلك الصورة: كاميرات العالم كلّه تبعت الرئيس في افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين، ثم ما لبثت أن رافقته إلى ساحة المعركة في جورجيا، نشرات الأخبار في أبرز الفضائيات بثّت شريط إنقاذه وفداً إعلامياً من براثن نمر هائج، فضلاً عن مواكبة مرئية ومكتوبة للفيلم الذي أصدره بوتين لتعليم الجودو.
«رجل العام» ووجهه الإعلامي بجدارة كان الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما. وحّد «المرشّح الأسود» «باراك حسين أوباما» أغلفة الصحف العالمية، ولم تستطع مجلات وشاشات الترفيه والفنون والأزياء تجاهله. شاشات وصحف ومجلات أسهمت في حملة أوباما الانتخابية وصناعة صورة باتت كماركة تجارية «مشغولة» على الطريقة الاستهلاكية الأميركية. فيما مثّل يوم انتخابه إعلاناً عن سابقة تكنولوجية في تاريخ الإعلام المرئي، وهو اعتماد محطة «سي إن إن» الأميركية تقنية الـ«هولوغرام» التي تستطيع نقل الأشخاص من مكان إلى آخر بالصورة فقط.
سياسياً، فجّرت وسائل الإعلام الغربيةً، مواهبها في مواكبتها حدث تنظيم الألعاب الأولمبية في بكين. إذ حشدت جهودها لتقدّم صورة سلبية عن البلد المضيف اقتصادياً، اجتماعياً، وسياسياً. صورة مضخّمة تبخّرت من أذهان المشاهدين بعد ليلة الافتتاح مباشرة! وقد ختم الإعلام الغربي عامه الطويل بمواكبة مسيّسة لأحداث غزّة نمّت عن تقديم الاصطفاف السياسي على المهنية.
لهذا كلّه، تبقى أفضل وسيلة إعلامية للسنة، ومن دون منازع: النسخة المزّيفة لصحيفة «نيويورك تايمز» التي أصدرتها مجموعة «ذي يس مان» مبيّنة العيوب المهنية في المشهد الإعلامي برمّته.