الوحشية الإسرائيلية تغيّر خطاب القنوات «المعتدلة»محمد خير
ليلى حداد مدوّنة وصحافيّة شابة فلسطينية مقيمة في الولايات المتحدة كانت ضيفة ـــ بالصورة ـــ على قناة «سي إن إن» خلال الاجتياح الإسرائيلي البري لقطاع غزة أول من أمس. على الناحية الأخرى وعلى بعد أميال لا تُحصى، كان والد ليلى المقيم في غزة هو الطرف الآخر للمقابلة. بين ليلى ووالدها، كان المذيع الأميركي يقرّب المسافة بأسئلته، فاعتملت عبر الشاشة ثلاث لكنات: إنكليزية سريعة بلكنة أميركية، إنكليزية جيدة بلكنة عربية تلك كانت ليلى، ثم والدها يتحدث إنكليزية متواضعة لكن مفهومة، على الأقل لأنّها ملأى بالأسى وبجثث الأطفال. كان الوالد المسنّ وابنته لا يتوقّفان عن ترديد «هناك بشر، هناك بشر» لأنّ ذلك كان منسياً على الشاشة. غزة في الإعلام دخان أسود يتصاعد في ليل أكثر سواداً، بدت «سي إن إن» باردة، متعاطفة مع «المخاوف» الإسرائيلية بعض الشيء، ومع «الحقائق» الإسرائيلية إلى حدّ كبير. مع ذلك، تعاملت بمهنية مع أرقام الدم ولم تجرؤ على ارتكاب الكذب الذي تتنفّسه فضائيات عربية. هذه الأخيرة تفرّغ بعضها للتبرير وبعضها للهجوم العكسي على «أعداء» غير إسرائيل بالطبع. وكانت «السهرة» أبداً ودائماً مع «الجزيرة». وحدها لم تقطع المشهد الغزاوي طوال الليل، بينما احتلت برامج ثقافية ووثائقية شاشات أخرى، وأدّت برامج «ترفيهية» الدور نفسه على شاشات أجنبية بينما لم يكن ممكناً الحكم على «ليل» «بي بي سي» العربية. إذ ما زالت المحطة «الوليدة؟» رهينة الساعات المحدودة للبث التجريبي... مع ذلك بدت أكثر «عروبة» من محطات (عربية) أخرى.
مع ذلك، يبدو الواقع أشد وطأة تجاه الحسابات السياسية. تصاعد الوحشية الإسرائيلية لجمت الخطاب الإعلامي «المعتدل» فخفّف لهجته تجاه المقاومة، وبدأنا نرى وجوهاً من «حماس» على «العربية». وبدا أنّ ذلك الإعلام الذي كان شبيهاً بجناح تلفزيوني للعدوان الإسرائيلي، وجد مخرجاً من مأزق غضب الشارع، بتسليط ضوئه على المعاناة الإنسانية بدلاً من حملات التشويه السياسي. في وقت لم يتوقف فيه الإعلام المصري الرسمي عن «التذكير» بخطايا «حماس»، مُستخدماً لهجة «الحسابات الخاطئة». والمفارقة أنّ الظهور التلفزيوني للمسؤولين المصريين، مثّل وسيلةَ فضائيات أخرى ـ أبرزها «الجزيرة» ـ لاستكمال انتقادها للموقف المصري الرسمي، عبر إعادة استخدام التصريحات الرسمية المصرية ودمجها في سياقات جديدة. في المقابل، لم يكن من الإعلام المصري الرسمي سوى استضافة وجوه ترد على «الهجوم على مصر». وهي وجوه ـ في معظمهما ـ غير محبوبة حاولت إثبات وجهة نظرها بالتقليل من إمكانات المقاومة (ثم «خطأ» إنهاء التهدئة)، ما أثار السخط الشعبي لا العكس.
وبينما تنتهي ولاية الحزب الجمهوري في البيت الأبيض، يبدو أنّ فرعاً من ذلك الحزب ما زال يعمل: إنّها قناة «الحرّة» التي استخدمت ـ تحت عنوان «الحرب في غزة» ـ خطاباً إعلامياً يتبنّى الوجهة الإسرائيلية، فالعدوان هو حرب ضدّ «حماس» وصور إيهود باراك وتصريحاته تظهر كل دقائق، يبدو فيها منكسر الحاجبين متحدثاً عن «الاضطرار» الإسرائيلي وأمن سكّان الجنوب، وهي اللغة نفسها التي استخدمها بعض مراسلي القناة الأميركية التي تبدو كثيراً كخلية نائمة تستيقظ في الأحداث الكبرى.