عثمان تزغارت شهدت السينما المغاربية في 2008 استفاقة واعدة تذكّر بالنهضة التي عرفتها خلال النصف الأول من التسعينيات، حين كانت أفلام مرزاق علواش ومفيدة تلاتلي والنوري بوزيد تستقطب الأضواء في أبرز المهرجانات العالمية وتحتل صدارة شباك التذاكر. 2008 بدأت بحصول التونسي عبد اللطيف قشيش على أربع جوائز «سيزار»، عن «أسرار الكسكس»، ليحتلّ الفيلم صدارة شباك التذاكر الفرنسي الربيع الماضي. ومع مطلع الصيف، قدّمت المغربية سعاد البوهاتي عملها الروائي الأول «فرنسية»، الذي حظي بإقبال كبير في فرنسا، لكونه أول عمل تقمّصت بطولته النجمة الصاعدة حفصية حرزي، بعدما نالت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «البندقية» 2007، ثم جائزة «سيزار»، عن دورها في «أسرار الكسكس».
التونسي كريم دريدي الذي كان أحد رموز نهضة السينما المغاربية مطلع التسعينيات، عاد للوقوف وراء الكاميرا بعد عشرية كاملة من الغياب، ليقدّم رائعة أشاد بها النقاد بعنوان «خامسة»، عن معاناة أطفال الشوارع في مارسيليا.
لكن حصة الأسد في هذه الاستفاقة السينمائية المغاربية كانت للجزائر، إذ استطاع مخرجان شابان، هما طارق تيغيا وإلياس سالم، أن يصنعا الحدث بفيلمين مميّزين خرجا من أتون الداخل الجزائري ليكتسحا المهرجانات العالمية. تيغيا أخرج قبل عامين فيلماً أول أبهر النقاد بعنوان «روما ولا أنتوما»، وبشّر بميلاد سينمائي مميّز. وبالفعل، حظي عمله الثاني «قابلة» بحفاوة مماثلة، وعُرض في المسابقة الرسمية من مهرجان «البندقية» الأخير، وحقق إيرادات قياسية في الصالات الجزائرية، بفضل القصة الإنسانية المؤثرة التي صوّرت معاناة المجتمع الريفي الجزائري الذي يحاول النهوض من جراح عشرية كاملة من الاقتتال والحرب الأهلية.
ومن المجتمع الريفي ذاته، استوحى إلياس سالم رائعته «مسخرة» التي مثّلت مفاجأة الموسم. سالم الذي اكتشفناه مطلع التسعينيات ممثلاً مسرحياً وسينمائياً، برهن في عمله هذا على سمات أسلوبية مبهرة، جعلت النقاد في فرنسا يقارنونه ببدايات أمير كوستوريكا.
ومقابل هذا الجيل السينمائي الجزائري الناشئ، سجّلت 2008 عودة سينمائي مخضرم هو أحمد راشدي، بعد غياب عشرين سنة. في عمله الجديد «مصطفى بن بولعيد»، الذي قُدّم عرضه الأول في مهرجان «دبي» الأخير، يعود صاحب «الأفيون والعصا» إلى مساءلة تاريخ حرب التحرير الجزائرية عبر سيرة أحد أبطالها المؤسّسين. ويبدو أن مساءلة تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية ستعود بقوة إلى الواجهة، بعدما كادت «حرب الجزائر الثانية» أن تمحو حرب التحرير من الذاكرة، وعن الشاشة. فقد شرع السعيد ولد خليفة في تصوير فيلم جديد بعنوان «زبانا»، على اسم أول شهيد جزائري نُفّذ فيه حكم الإعدام، سنة 1957.