عودة إلى الأفلام الأبرز عالميّاً من الأخوين كوين في أميركا إلى الأخوين داردين في بلجيكا... مروراً بجيمس غراي صاحب «العشيقتين»، وماثيو غاروني مخرج Gomorra
عثمان تزغارت
احتلّ الأخوان كوين الصدارة في حصاد السينما العالمية 2008. فقد بدآ السنة بنيل ثلاث أوسكارات عن «لا بلد للعجائز» الذي اعتلى بذلك قائمة أعلى الإيرادات العالميّة، بعدما نال حفاوة كبيرة في عرضه العالمي الأول في «كان» (2007). هذا النجاح لم يمنعهما من العودة سريعاً إلى الصنف الأثير لديهما: الكوميديا العبثية الفاقعة التي تغرف من روح الفكاهة السوداء التي صنعت شهرتهما. ولم تنتهِ 2008 حتى قدّما رائعتهما «يُحرق بعد القراءة» التي اختتما بها «ثلاثية الحمقى» بعد O’Brother (2000) ثم «حلاق اللحى» (2001).
بعيداً عن السينما الأميركية المستقلّة التي يمثل الأخوان كوين أبرز رموزها، كانت أفلام المغامرات والخوارق سمة الموسم في هوليوود، من «إنديانا جونز ومملكة جمجمة الكريستال» (ستيفن سبيلبرغ) إلى «جون رامبو» (سيلفستر ستالوني) مروراً بـ Iron Man (جون فافرو). أما أكثر هذه الأصناف تميزاً، فكان «فارس الظلام» جديد سلسلة مغامرات «باتمان» (إخراج كريستوفر نولان) الذي تألّق فيه هيث ليدجر في دور «الجوكر» الشهير ليرحل مطلع السنة قبل أن ينزل الفيلم إلى الصالات.
لكنّ الموسم الهوليوودي لم يخلُ من مفاجآت سارة، أبرزها «عاشقتان» الذي استطاع جيمس غراي فيه أن يوازن بين المعادلة الصعبة المتمثلة في استغلال الآلية الإنتاجية الضخمة ونظام النجوم الهوليوودي لتقديم «سينما مفكّرة». ومن المفاجآت الهوليوودية The Visitor لتوماس ماكارثي. في الفيلم، يؤدي المخضرم ريتشارد جينكنز أول دور بطولة مطلقة، بعدما ظل يصنّف ضمن النجوم المتخصّصين في «الأدوار الثانوية». وأبدع في تقمّص شخصية أستاذ الجامعة الستيني ذي الأفكار اليمينية المتطرفة الذي يقع في غرام المهاجرة السرية (هيام عباس)، ما يقوده إلى مراجعة جذرية للأفكار الجاهزة التي آمن بها طيلة حياته.
على صعيد السينما الأوروبية، ثلاثة أفلام احتلّت الصدارة: أولها «صمت لورنا» رائعة الأخوين داردين، حيث يتجلّى بالأسلوب التراجي ــــ كوميدي الذي يشتهران به. ونال الفرنسي لوران كانتيه «السعفة الذهبية» في «كان» عن «بين الجدران». وكانت هذه أول «سعفة» تُمنح لبلد الأخوين لوميار منذ «السعفة» المثيرة للجدل التي فاز بها موريس بيالا عن رائعته «تحت شمس الشيطان» (1987) واستقبلها جمهور «كان» بالصفير. ما دفع بيالا إلى الرد بجملته الشهيرة، لحظة تسلّمه الجائزة، قائلاً: «أنا أيضاً أمقتكم!»
لدى عرضه في الصالات الفرنسية، استقطب «بين الجدران» أكثر من مليوني مشاهد. وهو رقم قياسي في فرنسا لفيلم غير كوميدي. وتجاوزت الكوميديا الشعبية «أهلاً في بلاد الـ «شتي» Bienvenue chez les ch’ti (إخراج داني بون) عتبة العشرين مليون مشاهد، محطمةً الرقم القياسي الذي كان بلغه «تيتانيك» (1997).
وفي إيطاليا، التي تستعيد شيئاً من نهضتها السينمائية التليدة، حقّق Gomorra لماثيو غاروني نجاحاً منقطع النظير، نقدياً (الجائزة الكبرى في «كان») وشعبياً. لكن الفيلم لم يرق للمافيا في نابولي أي الـ «كامورا»، فأهدرت دم الصحافي روبيرتو سافيانو، مؤلف كتاب «غومورا» الذي اقتبس عنه غاروني فيلمه (وقد استعاض عن حرف الكاف بالغين عمداً، ليمزج بين اسم مافيا «كامورا» وكلمة «الدم» بالإيطالية).
حضور السينما الإسرائيلية 2008 عكس الازدواجية الفكرية التي تعانيها النخب الثقافيّة هناك. أبرز فيلمين إسرائيليين خلال 2008، هما «أشجار الليمون» لعيران ريكلس و«رقصة فالس مع بشير» لآري فولمان. الأوّل مثّل نموذجاً للسينما التقدمية الإسرائيلية في وجهها المشرّف والشجاع والمعادي للاحتلال، أما الثاني، فقدّم «رقصة فالس» مع وقائع التاريخ، إذ جسّد النزعة التلفيقية الإسرائيلية التي تسعى إلى التخفي وراء لبوس التقدمية بهدف طمس الحقائق أو تشويهها، والتحايل لقلب جدلية الضحية والجلاد عبر الإيحاء بأنّ «الجميع» (إسرائيليين وفلسطينيين) يعاني العنف ويريد السلام!