لا أخبار من أرض المعركة حتى الساعة. الإعلاميّون ممنوعون من الاقتراب، والمشاهد الواردة مشوّشة، والبلبلة سيّدة الموقف. إسرائيل تعتّم على حربها، فممّ تخاف بالضبط؟
صباح أيوب
«الجيش الإسرائيلي يتقدم عشرة أمتار داخل حدود غزة، لا بل 15 متراً، أو ربما كيلومترات»، «الاشتباكات أدّت إلى سقوط عدد من الجرحى وبضعة قتلى ربما»، خبر «غير مؤكّد» عن إسقاط طائرة إسرائيلية... بلبلة واضحة وقعت فيها الوسائل الإعلاميّة خلال تغطية بدء الاجتياح البرّي الإسرائيلي على غزة. والسبب منع إسرائيل الصحافيين من دخول ساحة المعركة لتأدية مهامهم، إذ إنّها لا تريد نقل أي صورة أو خبر عن واقع العمليات البرّية بين جيوشها وحركة «حماس». حتى بعدما أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية منذ أيام قراراً سمح لثمانية صحافيين أجانب بدخول القطاع، يتعرّض المراسلون جميعهم لقمع مِن الضباط الإسرائيليين الميدانيين. بعد نقل همجية القصف واستهداف المدنيين، يبدو أنّ إسرائيل تريد الاحتفاظ بصور حربها لنفسها. هي بالطبع، لا تريد تكرار ما حدث في الحرب الأخيرة على لبنان (2006)، عندما شاهد العالم بأسره، الصور «المخجلة» لأداء «الجيش الذي لا يقهر». لكن، هل يحق لها فرض تعتيم على ما يجري في ساحة الميدان؟ أليس ذلك اعتداءً على المهنة بحدّ ذاتها؟
إجراءات صارمة اتخذها المسؤولون الإسرائيليون، بدءاً بمنع الجنود من حمل هواتفهم المحمولة، وانتهاءً بمنع الكاميرات والصحافيين من الدخول أو حتى الاقتراب من ساحة القتال. والنتيجة: شريط واحد يتكرّر على المحطات العربية والأجنبية، يُظهر بتقنيّة الرؤية الليلية، الجنود الإسرائيليين في الدقائق الأولى من الاجتياح وهم يتقدمون في صفوف منتظمة، مدجَّجين بالسلاح... فقط لا غير، ما اضطرّ الصحافيين إلى الاعتماد على الأخبار الواردة من المستشفيات والمسعفين وتصريحات مسؤولين إسرائيليين أو قادة من «حماس»، فجاءت الصورة منقوصةً والأخبار غير دقيقة. مراسل صحيفة «ليبراسيون» تحدّث أمس عن «تهديد الشرطة الإسرائيلية الصحافيين بالاعتقال والسجن إذا تخطّوا الحدود المسموح بها»، أما مراسل «العربية» فمنعه ضابط إسرائيلي ـــــ على الهواء ـــــ من الاقتراب خطوات إضافية الى الأمام... حتى الصحافة الإسرائيلية تناولت الموضوع مجريةً مقارنةً بين «الأرض المفتوحة» في عدوان تموز والتدابير الصارمة بحقّ الصحافيين اليوم، وأشارت إلى وجود أكثر من 500 مراسل أجنبي في إسرائيل ينتظرون «السماح» لهم بتأدية واجبهم المهني.
قد لا نرى هذه المرّة جنوداً يبكون، ويفشلون ويهربون... لكن صوراً كاذبةً وروايات كثيرة ستعمّمها إسرائيل على العالم لاحقاً كما فعلت بالضبط أميركا في حرب الخليج الأولى.