التجارب باتت أكثر حميميّة، فيما الواقع يزداد فجاجة. أفلام تعكس مرحلة النضج عبر علاقات متوازنة بين الذات والجماعة، وكاميرا لا تزال سلاحاً في أرض المعركة...
زياد عبد الله
لم يكن الطعم واحداً في ثلاثة أفلام روائيّة قدّمتها السينما الفلسطينية عام 2008. في البداية، يمكن مقاربة «المرّ والرمان» لنجوى نجّار و«ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر، كمحاولتين يجب التوقّف عندهما في سياق ما حقّقته السينما الفلسطينية مع ميشيل خليفي وإيليا أبو سليمان وهاني أبو أسعد. لا تفارق تركيبة فيلم نجار ثنائية العنوان نفسه. مشهد العرس الذي يبدأ به الشريط سرعان ما ينقضي بحضور الاحتلال الإسرائيلي. إذ يُعتقل زوج قمر لمقاومته قراراً بمصادرة أرضه. ينعطف الفيلم إلى تتبع مصير قمر (ياسمين المصري) في غياب زوجها (أشرف فرح)، وسرعان ما تأخذها مشاعرها تجاه معلم الرقص (علي سليمان) القادم من بيروت لتدريب فرقتها، رغم أنّ اعتقال زوجها لم يمضِ عليه ثلاثة أشهر. بعد ذلك يُفرَج عن الزوج مقابل تنازله عن أرضه، ما يضع حدّاً لمغامرة قمر العاطفية.
يتحول الحب والرقص إلى أفعال تؤكد من خلالها نجار استمرار الحياة في مواجهة قسوة الاحتلال. قد نقارب الفيلم من زاوية رصده لمعاناة الزوجة الفلسطينية في غياب زوجها، لكنّ هذه المقاربة تغيب تماماً، لا بل إنّ الفيلم يدفع إلى الاطمئنان إلى مصيرها، فهي تمارس حياتها الطبيعية، ترقص وتحب. هذه المعاناة بعيدة عن قمر، لكنّها قريبةٌ جداً من «العامّة» حيث يترافق اعتقال الزوج مع حبس زوجته ومصادرة حقوقها بقوّة التقاليد.
فتش عن السيناريو، يصرخ بنا فيلم «ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر. تُطوَّع أحداث الفيلم التي يُفترض أن تكون درامية في خدمة غرض واحد، ألا وهو الوصول إلى بحر يافا، ولمس ثريّا (سهير حماد) لحجارة بيت جدها الذي تقطنه مستوطنة إسرائيلية تقبل في البداية استضافتها، ومن ثم تنفجر ثريّا في وجهها فتتصل بالشرطة الإسرائيلية.
بنية فيلم جاسر وثائقية بامتياز. بطلة فيلمها مثلها، أميركية تزور فلسطين في ملاحقة مشروعة لذكرياتها وحكايا جدها، وما يرافق ذلك من بحثٍ عن جذورها وعن كل الأمكنة التي حدثها عنها جدّها، بما في ذلك رصيده المصرفي الذي تركه عند تهجيره.
المستوى الروائي في الفيلم سيتطلب من المخرجة أن توقع ثريّا في حب عماد (صالح بكري)، ومن ثم سطوهما على بنك في رام الله وخروجهما بقدرة قادر منها إلى القدس، لنكون بعد ذلك في road movie يتمازج فيه حنين ثريّا مع حنين عماد، هي تزور بيت جدها في يافا، وهو أيضاً يزور أطلال قريته «الدواينة».
بعيداً عن الشجن، يأخذ الفيلم الروائي الثالث «عيد ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي نكهة كوميديّة سوداء تمضي إلى حافة الهاوية. يرصد الشريط الروتين اليومي لمعاناة الفلسطيني في واقع على اشتباك مع قضايا كبرى. إذ يخضع نمط العيش الفلسطيني لظروف الاحتلال، وحالة الفوضى الداخلية التي تسود كل مرافق الحياة، حتّى الإنسان نفسه الذي فقد بوصلته في مستنقع المآزق. فيلم مشهراوي، يقارب الواقع معتمداً على شخصيّة «أبو ليلى» الذي تمثّل استثنائية ظروفه معبراً إلى استثنائية كل شيء في رام الله. يبدأ الشريط من استيقاظ أبو ليلى (محمد بكري) على صوت انفجار أو ما شابه، ويعرف بعدها من زوجته (عرين عمري) أن اليوم هو عيد ميلاد ابنته الوحيدة ليلى، ما يتطلب منه أن يمضي يومه بعيداً عن مشاكله اليومية كالحواجز، أو أي شيء قد يعوق عودته في آخر النهار، ومعه كعكة وهدية. أبو ليلى قاضٍ يعمل سائق أجرة في انتظار تعيينه المتعثر من كثرة التغييرات التي تطرأ على الوزارات، وانشغال كل وزير جديد بتغيير أثاث مكتبه. في يومه الذي لا جديد فيه إلا سعيه لشراء ما يليق بعيد ابنته، تتضافر الأمور لتمنعه من ذلك، وتصل به إلى لحظة انفجار عارمة حين يستخدم مكبر الصوت، صارخاً بالطائرات الإسرائيلية فوقه «حلّو عنّا» وموجهاً لعناته على كل ما يحيط به. ولعل درامية العمل لا تتوقف عند ذروة لتنحلّ بعدها، بل هي تتنقل من ذروة إلى أخرى لتصل إلى نهاية الفيلم.