خليل صويلح كان فلليني قد وصف الصورة التلفزيونية بأنّها تشوّه مقدرتنا على التوحّد مع أنفسنا بعدما انتهكت أكثر أبعادنا حميمية وخصوصية وسرّية، وقد «استعبدتنا طقوسية انتهاكية على الشاشة المضيئة، وهي تعرض بلايين الأشياء التي يلغي أحدها الآخر بطريقة لولبية تبعث على التشوش والدوار». صورة غزة تحت النار تشير بوضوح إلى حيادية أولياء الأمر تجاه ما يحدث، فالتظاهرات التي اجتاحت الكرة الأرضية على أهميتها، لن تعيد أطفالاً أبرياء إلى الحياة، ولن تحمي عائلة باتت في العراء، فالدم في الشوارع، كما صرخ لوركا مرةً. هنا «قصة موت معلن» في فرجة بصرية مبتذلة أو لعلها «بورنوغرافيا الحرب» وفقاً لما يقول بودريار. لن تتمكّن من اختيار صورتك المفضلة إذاً، كي تفسّر حجم الخراب، ذلك أنّ صورة الأمس ستُمحى أمام صورة اليوم التي ستبزّها في الوحشية، وصورة الغد بالتأكيد ستكون أكثر جحيمية مما سبقها، كأنّ ضحية الأمس يرغب في استعادة «الهولوكست» على الملأ، ولكن من على الضفة الثانية، كي يتأكد من معنى «المحرقة».
وإذا كان ايهود باراك قد خبر الدم الفلسطيني جيداً خلال عقود، فإن تسيبي ليفني تدخل المعركة من دون قفازات، فهي أحوج ماتكون إلى مذبحة علنية تسجلها في أرشيفها الشخصي في طريقها إلى الانتخابات، لعلها تصير»غولدامائير»أخرى
ستة عقود لم تتمكّن من تحويل الفلسطيني إلى هندي أحمر، رغم تطور آلة القتل والفتك بالبشر الأبرياء، يا لها من مهزلة خرقاء ألا ينتهي دور الضحية في هذه التراجيديا الباذخة بعد إسدال الستارة، كأن الفلسطيني لا يقنع بالأسباب الموجبة للقتل والفناء، على ضآلة خريطة غزة. ها نحن نرى لقطةً مقرّبةً للموت،قبل أن ينقطع المشهد، ليضاف إلى مخزون بصري أسود مفرّغاً من حس الصدمة. ألم نكتفِ أخيراً من نشرات الأخبار المتلاحقة بإحصاء عدد القتلى والجرحى، بالآلية عينها التي نطمئن بها إلى حالة الطقس؟ الطقس دافئ في غزة بسبب حمم اللهب ومقاومة الموت.
الطقس لدينا قارس جداً، بسبب انخفاض منسوب الكرامة العربية إلى حدها الأدنى، وكأنّ كل الأشعار والأغاني التي تمجّد السيف العربي محض هراء، أو لنختصر الموضوع برمته ونقول باطمئنان: لقد صار الدم ماءً!