نادراً ما نجا كبار هذا الزمن من ضربة ريشته. فنان الكاريكاتور البريطاني حلّ ضيفاً على بيروت بدعوة من «المجلس الثقافي البريطاني»، مشاركاً في معرض «المصابيح المضيئة»، ومتحدّثاً عن مهنته وفنّه ومواقفه المناهضة لإسرائيل
صباح أيوب
«هذه الصور تحمل في طياتها أكثر بكثير مما يظهر على السطح... لذلك، هي تُعدُّ «مصابيح مضيئة». هكذا يفسّر فنّان الكاريكاتور البريطاني ستيف بيل عنوان معرض الكاريكاتور الجماعي الذي يشارك فيه إلى جانب رسامين عرب، وتستضيفه حالياً كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية الأميركية (بيروت) بمبادرة من «المجلس الثقافي البريطاني». في محطته البيروتية، يستضيف المعرض المتنقل بين مدن عربيّة وعالميّة عدّة، مجموعةً من الأعمال التي تعكس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المنطقة العربيّة، وتحمل توقيع رسامين من لبنان والأردن والسعودية وسوريا وفلسطين ومصر. و«يُطعَّم» كذلك بمشاركة ستيف بيل رسام الـ«غارديان» البريطانيّة، المشهور بأعماله النقدية الساخرة.
في افتتاح المعرض، أوّل من أمس، وقف بيل (58 سنة) بخبرته التي تزيد على 30 سنة، عارضاً أبرز محطات تاريخ الكاريكاتور في بريطانيا، وأهمّ تحديات المهنة، وقدرة الكاريكاتور على التغيير... وشارك في اللقاء الافتتاحي الرسامان أرمان حمصي من لبنان ويزيد الحارثي من السعودية. وبينما اعترف كل من حمصي والحارثي بـ«عدم قدرة رسام الكاريكاتور على تغيير الوضع السياسي والاجتماعي القائم»، أكّد بيل «وجود الرغبة بالتغيير دائماً»، وأضاف: «مع استمرار المشاكل السياسية ذاتها في العالم، لا بدّ من أن نرى الأمور بطريقة أخرى. لا بدّ من أن نقدم وجهة نظر معيّنة». اعتذر ستيف بيل «جدّياً» عن عدم إجادته العربية، واستعاد في مداخلته أشهر رسومه الساخرة التي تناولت رؤساء الحكومة في بريطانيا: مارغريت تاتشر وجون مايجور وطوني بلير... وتحدّث عن صناعة الـ«ستيريوتايب» Stereotype في الرسم، معبّراً عن «كره شخصي» لتاتشر!
إضافة إلى تناول الشخصيات السياسية البارزة، تطرّق بيل في رسومه إلى مشاكل البريطانيين الداخلية بطريقة نقدية لاذعة. ولم يسلم رؤساء الدول من ريشته: هو كان أول مَن رسم جورج بوش الابن على شكل شمبانزي، وقد علّق مرة على ذلك قائلاً: «فعلياً، هي إهانة للشمبانزي!».
الرسام اليساري الحائز عدداً من الجوائز العالمية، شرح لـ«الأخبار» أنّ كونه يسارياً ساعده على «فهم السياسة المحلية والعالمية»، كذلك قرّبه من السياسة بحدّ ذاتها... «وهو أمر يتجنّبه البريطانيون عادةً». بيل الذي يعمل في صحيفة الـ«غارديان» البريطانية منذ 1981، يسجّل له تضامنه مع القضية الفلسطينية والنقد الحاد لسياسات إسرائيل وإميركا في العالم العربي. وحين سألناه عن صعوبة تناول مواضيع سياسية شائكة تتعلّق بمنطقة حساسة كمنطقتنا، نفى وجود أي مشكلة رقابة مع الصحيفة التي يعمل فيها، معترفاً بأنها منعت له مرّة واحدة رسماً تناول إسرائيل بطريقة لاذعة: «كان ذلك منذ عشرين سنة، ولم يتكرر الأمر». أما على الصعيد الشخصي، فيرى أنّ «فهم سياسة المنطقة ـــ خصوصاً لبنان ـــ أمر صعب جداً. أضف إلى تعقيد المسائل جَهل الناس عندنا بهذه المنطقة وتاريخها وثقافتها المختلفة».
بعد مشوار طويل في العمل الكاريكاتوري، لا يزال ستيف بيل يخاف من الشعور أحياناً بأنّه «مجرّد صوت صارخ في البراري». لذا فهو يدأب على عدم تحديد جمهوره مسبقاً... بل يرسم «كي يفهم نفسه بطريقة أفضل أولاً، ثم يأمل أن يوافقه آخرون الرأي». الرسّام الساخر بالفطرة الذي أمتع الحاضرين بقيامه بتعابير كاريكاتورية بوجهه وجسده أثناء عرض الرسوم، أجاب بصراحة عن سؤال عن طموحاته المستقبلية قائلاً بلا تردد: «أنا مسرور جداً بعملي، هي مهنة رائعة بالفعل».