معرض «الحيوان اليدوي» استضاف مشاركين من خلفيات فنية مختلفة، جاؤوا ليعبّروا عن رؤيتهم الخاصّة إلى العالم... لكنّ عدوان غزّة غيّر مخططاتهم
أحمد الزعتري
عالمٌ من الخشب وعلب رشّ الدهان والأفران المنزلية وقطع الأثاث تسلّل إلى غاليري «مكان» في عمان، ليُعاد استنساخها فنياً في معرض «الحيوان اليدوي» الذي اختُتم أخيراً:. زينة أزّوقة، ندى جفّال، أحمد جعبري، نور بشّوتي، زينة شهابي، زلفا خلف، باتريك فولمر، ومحمد صبّاغ: ثمانية شباب وشابات جاؤوا من خلفيات فنيّة مختلفة، ليشاركوا على مدى ثمانية أيّام في صناعة فن مَدنيّ يعبّر عن ذواتهم، بعيداً عن الأساليب الأكاديمية والألوان المائية والزيتية والكانفاس.
اتفق المشاركون على أن تكون تيمة المعرض «نَسخُ الذات»، لأنّنا جميعاً «نُسَخ عن شيء أصليّ» كما تقول زينة أزّوقة. أحد المشاركين أتى بفرن منزليّ قديم، بينما جلب آخر «كيبورد»، ومنهم مَن جاء بتلفزيون قديم، أو مسامير وقطع خشب وقطع سيراميك وحتى خُفّ.
هكذا، صنع كل فنانة أو فنان عملاً يعبّر عن العالم كما يجب أن يُشاهد من زاويته المغايرة. تحوّل الفرن المنزليّ إلى عمل فني عند ندى جفّال وزينة أزّوقة اللتين أرادتا التعبير عن «انعكاسات لمصدر أصليّ»، إذ إنّ قوالب الكعك الصغيرة التي وضعت في الفرن تصنع نسخاً عن الأصل. ووضعت الفنانتان شعار «الطعم الأصلي» إلى جانب الفرن، مع تعليق قطع السيراميك فوقه، في مشهد مكرّر عن المطبخ... المكرّر أيضاً في منازلنا. ورسمت نور بشّوتي، بطريقة الطباعة الحريريّة، رؤوساً لشخصية واحدة على الخشب. تتغيّر ألوان البورتريه ووضعيّته من نسخة إلى أخرى، فمنها مَن ينظر إلى الأمام، ومنها من ينظر إلى اليمين أو اليسار. أما التلفزيون، فوُضع مقلوباً لعرض نماذج من الأعمال، واتخذ الخفّ مكانه داخل إطار خشبيّ قديم. زاوية أخرى اشتغلت عليها المجموعة مستخدمةً قطعاً خشبية لرسم بورتريهات مكرّرة لشخصيات مشوّهة، أشخاصٌ يرتدون نظّارات بصبغة كوميديّة، وتتكرر على أحد البورتريهات عبارة «ولد بنت ولد بنت...»، وألصقت فوق آخر قصاصات من صفحة الوفيات في صحيفة.
كان كل شيء جاهزاً قبل افتتاح المعرض بيومين، إذ عمل الجميع حتى الثانية صباحاً من ليلة السبت 22 الشهر الماضي، أي يوم بداية العدوان على غزّة. وكان أمام أحمد صبّاغ، شريك مؤسس في مشروع «بلوزات» ومنظّم المعرض، خياران: إمّا تأجيل المعرض، أو التفكير في خطّة أخرى، وهذا ما كان. هكذا انغمس الجميع، مرةً أخرى، في تنظيم تظاهرة من نوع آخر. عندما امتلأ المعرض بالحضور يوم الافتتاح، كان المشهد بأكمله مكرّساً للتضامن مع غزّة. علّقت الأشرطة السوداء على الزوايا العلوية للأعمال، وغُطّيت أعمال أخرى بالأسود بالكامل، وألصقت فوقها عبارات «لا للعدوان» و«متى ستكتفون؟». ظهرت داخل الفرن قنابل تسقط من السماء، وعلى المدخل، كتبت عبارة I was just asking for milk بالشريط اللاصق الأبيض، وعلى زاويتها علّق بورتريه صغير لطفل فوق وعاء من مسامير. زينة أزّوقة، ترى في الفن انعكاساً لمجزرة غزّة «الفن لا يتوقف حتى لو وجب التعبير من خلاله عن القذارة... ما قمنا به هنا تعبير عن القذارة، نحن نأكل ونُخرِج ما أكلناه على جدران هذا المعرض».