هجوم على «محور الشّرّ» و«القنوات الصفراء» و«الجزيرة»محمد عبد الرحمن
بينما كان مجلس الشعب المصري يشهد محاكمة النائب محمد البلتاجي بتهمة انتقاد النظام المصري عبر قناة خليجية، اعتصم عشرات الصحافيين المصريين داخل مقر نقابتهم احتجاجاً على... تأخّر صرف «بدل التكنولوجيا». وهو مبلغ شهري إضافي ترفض وزارة المال صرفه بانتظام بسبب خلافات بين وزارة المال والمؤسسات الصحافية.
على خلفية هذين المشهدين، يمكن قراءة موقف الإعلام المصري من الأحداث في غزة. عدا الصحف التي تعارض النظام المصري من الأساس ـــ أي «الدستور» و«البديل والعربي» ـــ جاءت التغطية الإعلامية منحازة تماماً للموقف المصري وخصوصاً في الأيام الأولى من العدوان، وذلك قبل أن تجبر وحشيّة الاعتداءات الإسرائيلية معظم تلك الصحف على التنديد اليومي بما يجري في القطاع، مع التذكير دائماً بأن مصر حاولت وتحاول وقف سيل الدماء بجهودها الدبلوماسية.
في هذا الإطار، يمكن رصد ثلاثة تيارات أساسية ضمن دراسة التغطية الصحافية للعدوان على غزة. أولها كان منحازاً انحيازاً تاماً للنظام ـــ أي «الأهرام» و«الجمهورية» و«روز اليوسف» و«الأخبار» وباقي الصحف القومية ـــ وبالتالي لم تكن المساحة المخصصة لتغطية المجازر والتطورات العسكرية الميدانية كبيرة. إذ إنّ هذه الصحف وفّرت صفحاتها للرد على الهجمات المتتالية على النظام المصري. ولأنّ خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، تناست الصحف الحكومية ما يجري في غزة وانشغلت بالحديث عن مخططات جمعت إيران وسوريا و«حزب الله» و«حماس» و«الإخوان المسلمين» في مصر مستخدمةً مفردات عنيفة اعتادها القارئ المصري في العامين الأخيرين. هكذا لم تجد «روز اليوسف» مشكلةً في وصف مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف بالرجل «الخرف» في عناوينها الرئيسة، كذلك لم يتردّد رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» بالتطاول على الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، مطلقاً عليه صفة «العميل رقم 1». والأمر نفسه تكرر مع كتّاب المقالات الذين حاول معظمهم تحقيق توازن صحافيّ في الهجوم على إسرائيل من جهة والدفاع عن مصر من جهة أخرى. وكان لافتاً الهجوم الكبير الذي شنّه بعض المحللين غير السياسيين على قطر «الدولة الصغيرة التي تريد الاستيلاء على مكانة مصر الكبيرة». أما التيار الإعلامي الثاني الذي تمثّل بالصحف المستقلة كـ«المصري اليوم» والحزبية كـ«الوفد»، فاختار التغطية بشكل خبريّ، وعدم التوسّع في نشر الانتقادات الموجهة للنظام المصري. وإن كانت مراعاة النظام هي سمة هذين التيارين، فإن التيار الثالث ـــ وهو الأقل انتشاراً وممثل بـ«الدستور» و«البديل» و«المصريون» الإلكترونية و«العربي الناصري» ـــ فكان منحازاً تماماً إلى المقاومة. وحاولت أقلام هذا التيار التأكيد أنّ مصر لم تدافع عن فلسطين طوال تاريخها إلا من أجل أمن مصر القومي. كذلك أكّدت هذه الصحف أنّ تغطية الصحافة المصرية لقتل الضابط المصري ياسر فريج بنيران فلسطينية على معبر رفح ما هو إلا انعكاس لـ«انحراف السياسة التحريرية للجرائد القومية»، ذلك لأن هذه الصحف لا تتعامل بهذه الحماسة مع قتل الجنود المصريين بنيران إسرائيلية بطريق الخطأ وهي الحوادث التي تتكرر كل فترة.
وبين التيارات الثلاثة هذه، غابت المقالات «الموضوعية» باستثناء بعض الأصوات النادرة التي حاولت التأكيد أنّ التضامن مع غزة يبدأ بسيادة الديموقراطية في مصر والبلاد العربية أولاً، ومنها ما كتبه كل من الزميل وائل عبد الفتاح في «الدستور» وبلال فضل في «المصري اليوم» وأيمن الجندي في «المصريون».
من جهة أخرى، لم يكن الوضع أفضل على مستوى الإعلام المرئي: بينما كان الهجوم على قناة «الجزيرة» مستمراً في الصحف التي وصفتها بأسوأ الألقاب ـــ بينها «منبر التحريض اليومي» و«القناة الصفراء» ـــ لم تتح القنوات المصرية الفرصة لأصوات معارضة للظهور على شاشاتها، وبالتالي كان منطقياً أن يعاقَب نائب من «الإخوان المسلمين» لأنه تحدّث إلى قناة «الجزيرة». أما المضحك في كل التغطيات المرئية فهو السؤال الموحّد الذي طرحه المراسلون المصريون على الجرحى الفلسطينيين الذين نقلوا إلى مصر، وهو «ماذا تقول لمصر؟» منتظرين بذلك عبارات الشكر والعرفان للنظام.


قنوات الأغاني غائبة

حاولت قنوات الأغاني المصرية مع بداية العدوان على غزة مجاراة التطورات السياسية، وخصوصاً محطّتا «مزيكا» و«زووم» فركّزت على بثّ الأغاني الوطنية القديمة كـ«الحلم العربي» و«الضمير العربي» وغيرها من الأناشيد والأغاني مع عرض بعض الصور الحديثة والمأخوذة من المجازر في غزة. إلا أنّ هذه السياسة لم تعد مجدية بالنسبة إلى إدارات هذه القنوات فعادت تدريجاً إلى برامجها المعتادة لأن الجمهور المهتمّ بالأحداث الغزاوية انتقل إلى مشاهدة المحطات السياسية بعيداً عن القنوات الفنية. أما قناة «ميلودي» فقد استمرّت بعرض برامجها وحفلاتها الترفيهية كالعادة. وأطرف «تضامن» مع شهداء غزة، قدّمته إحدى مذيعات قناة «سترايك» ـــ المتهمة دائماً بسرقة المشاهدين من خلال إغرائهم بجوائز عدة، غالباً ما تكون وهمية ـــ إذ ظهرت المذيعة بالكوفية الفلسطينية، لكنّها خلعتها على الهواء في غضون دقائق.

فشل تجربة الـ«توك شو»


لم تصمد برامج الـ«توك شو» المصرية التي غالباً ما تهتّم بقضايا الشارع أمام القنوات الإخبارية، إذ جاءت تغطيات «الحياة اليوم» و«العاشرة مساءً» لمنى الشاذلي هادئة، فيما اكتفى عمرو أديب (الصورة) بجمع التبرّعات