ترميم الوثائق البصريّة عملٌ صعب يفتقر إلى اختصاصيين في العالم العربي. الجامعة الأميركيّة في بيروت احتضنت ورشة عمل بعنوان «المحافظة على الصور الفوتوغرافيّة»
زينب مرعي
عندما تُمحى الصورة من الذاكرة، لا يبقى سوى الصورة الورقيّة للعودة إليها. كيف نحمي الصور العائليّة والأعمال الفوتوغرافيّة الفنيّة من آثار الزمن، فنحافظ على ما تحمله من قيمة معنويّة وتاريخيّة ودلالات على مجتمعها وزمنها؟ مثّلت هذه الأسئلة محور ندوتين عُقدتا أخيراً، ضمن ورشة عمل تُقام بين 6 و16 الحالي في حرم الجامعة الأميركيّة في بيروت، تحت عنوان «المحافظة على الصور الفوتوغرافيّة» وينظّمها متحف «متروبوليتان» (نيويورك)، جامعة «ديلاوير» الأميركية و«المؤسسة العربيّة للصورة» التي أدّت، في لبنان، دوراً مهماً في هذا المجال (www.fai.org.lb).
تولي الأستاذة في «قسم المحافظة على الفن» في جامعة «ديلاوير» ديبرا هيس نوريس، اهتماماً كبيراً لصور العائلة والمجموعات الشخصيّة، إذ تحدثت عن تنوّع المشاكل التي تصيب صورنا باختلاف تقنيّة التصوير المستعملة. قد يعتقد المرء أنّه كلّما تطوّرت تقنيّات التصوير، أصبحت الصورة أكثر مقاومةً للعوامل المضرّة بها، إلّا أنّ نوريس ونورا كينيدي العاملة في مجال ترميم الصور في «ميتروبوليتان» تؤكّدان العكس. وتشرح الاختصاصيتان أنّ آثار الزمن تظهر على صور الديجيتال بسرعة أكثر منها على الصور بالأسود والأبيض، ويتمثّل ذلك في بهتان ألوان صور الديجيتال الذي يصعب معرفة سببه، ممّا يصعّب ترميمها.
وإن كانت صورنا التي نلتقطها بتقنيات حديثة ستميل إلى الاحمرار بسبب طغيان اللون البنفسجي (Magenta) على الأزرق السماوي والأصفر في لوحة الألوان الأساسيّة للصورة، فمشكلة صور أجدادنا هي الاصفرار. في التقنيّات السابقة مثل Daguerreotype، أو تقنيّة Albumen التي يدخل فيها زلال البيض، تميل الصورة إلى الاصفرار بسبب الصدأ في الحالة الأولى وبسبب زلال البيض في الحالة الثانية. وتقول نوريس إنّ ترميم قاعدة الصورة أكثر سهولة من ترميم الضرر اللّاحق بألوانها إذ تشرح أنّه «حتى اليوم لا نعرف كيف نزيل اصفرار الألوان».
لكن حماية المجموعات الفوتوغرافيّة يجب أن تبدأ قبل وقوع الضرر، من خلال تجنيبها الضوء والرطوبة وحفظها في مكان بارد ودرجة حرارته ثابتة كالخزانة. أمّا أفضل طريقة لتغليفها، فهي استعمال ورق خال من الأسيد، كما تنصح تمارا صوايا من «المؤسسة العربيّة للصورة». وتنصح نوريس بنسخ الصور التي نعود إليها باستمرار، واستعمال النسخ بدل الصورة الأصليّة، وبعدم وضعها في درج أو إطار خشبي لأن الخشب ليس مادة صديقة للصورة. وترى نوريس أنّ «الألبوم» الشائع المؤلف من جيوب نايلون، طريقة جيدة لحفظ الصور إذا تأكّدنا من جودة نوعيّة النايلون.
تبدو المحافظة على الصور أكثر صعوبةً في المتحف. إذ تشير نورا كينيدي إلى أنّ الأعمال المعروضة لديهم تعيش فترةً تحت الأضواء، لذا، تجد نفسها واقعة بين مطرقة المصوّر وسندان الزائر. فالأول يفقد شعور الأبوّة تجاه صورته ما إن تبهت ألوانها فيطالب بعدم عرضها أو حتى إزالة اسمه عنها، أمّا الزائر، فيرى صدقيّة الصورة في فقدانها رونق ألوانها. إلّا أنّ كينيدي تقول إنّها تنحاز في النهاية إلى ما هو أفضل للصورة. وقد أشارت كينيدي ونوريس إلى صعوبة عملهما، فالصورة فن بالغ الدقّة، إضافةً إلى قلّة العاملين في مجال ترميم الصورة حول العالم.
في ما يخصّ العالم العربي، تقول تمارا صوايا إنّ «المؤسسة العربيّة للصورة» التي تأسست عام 1997، هي الوحيدة المتخصّصة في هذا المجال، إلا أنّها لا ترمّم الصور لافتقادها خبراء نظراً إلى افتقار جامعاتنا إلى هذا الاختصاص، إذ يعتمدون على ورش عمل كهذه لتطوير خبراتهم. تهدف المؤسسة التي تمتلك أكثر من 200 ألف صورة و«نيغاتيف» من المشرق والمغرب العربي إلى حماية التراث الفوتوغرافي العربي من التلف وتأمين استمرار هذه الثقافة من خلال معارض عالميّة. جمعت المؤسسة نتاج عدد من معارضها في كتب مثل Histoires Intimes وPortraits du Caire الصادرين عن «آكت سود» الفرنسيّة، وLe Véhicule وغيرها من الأعمال الصادرة لدى «مايند ذي غاب» اللبنانيّة، فضلاً عن أشغال الفنّان والباحث أكرم الزعتري عن أرشيف مصورين أمثال المصري الأرمني فان ليو (1921 ــــ 2000)، واللبناني هاشم المدني (١٩٢٨).