وردنا من تونس بيان تضامني مع غزة، يحمل تواقيع جليلة بكار (كاتبة وممثلة)، والفاضل الجعايبي (كاتب ومخرج)، وأنور إبراهم (موسيقي وعازف)، والحبيب بالهادي (منتج)، وفاطمة بن سعيدان (ممثلة)، ونوال اسكندراني (كوريغراف). هنا أبرز مقتطفاته:
«غزّة في عيوننا طالما يقتل الأطفال مفتوحي الأعين». هذا النداء الذي وجّهه مسرح «الحمراء» (تونس)، نشرناه بدورنا ـــ نحن الفنانين التونسيين العلمانيين والمستقلين ـــ في الأوساط الفكرية والفنية الغربية، بين أصدقاء وزملاء نفترض أنهم يشاركوننا القيم نفسها. وكم كان استغرابنا حين ردّ أحد هؤلاء، وهو رجل مسرح مطّلع وجدلي «بريختي»: «أمام أعيننا عصابة متطرفين تجني ثمرة استفزازاتها اللامسؤولة وتجبر شعبها الرهين على دفع ثمن جنونها القاتل». نصّ مقتضب، نهائي، قاطع كالسّيف. الردّ عليه باللغة نفسها يكون كالآتي: «أمام أعيننا دولة عنصرية وشرسة تجني منذ 1948 ثمرة غطرستها اللامسؤولة، وتجبر شعباً رهيناً ومنطقة بأكملها على دفع ثمن جنونها القاتل».
(...) أيكون صديقنا الفنّان المعروف، بدوره، ضحيّة الدعاية الصهيونية المضلّلة؟ إلى متى ستظل الحقائق مقلوبةً، ويستمرّ المعتدى عليه معتدياً والضحية جانياً، والعواقب أسباباً؟... هل من المقبول أن يحاصر مئات الآلاف الرجال والنساء والأطفال، داخل أكبر معتقل عرفه التاريخ منذ غيتو وارسو، وأن يجوّع هؤلاء ويعزلوا عن العالم ثم يتعرّضوا للإبادة، عقاباً على خيارهم الديموقراطي الذي شجّع عليه الغرب محقّاً، قبل أن يرتكب لاحقاً خطأ التبرّؤ منه؟ (...)
إن اتهام فلسطينيّي غزّة اليوم بالإرهاب الإسلامي، هو نفسه ما حصل في رام الله من اتهام لعرفات بالإرهاب غير الإسلامي. مَن ترى سيوقف مشروع إبادة الشعب الفلسطيني على يد هذا الكيان الغاصب الذي يفعل ما يشاء، بلا عقاب، منذ ستين عاماً؟ (...) أما زال من المجدي التعبير عن الغضب والمطالبة بالإعانة الإنسانية... في انتظار المذابح المقبلة؟ لا معنى للتضامن السياسي الذي يطالب به العرب، إذا لم يكن مساندة فعليّة للمقاومة...
إن حتلال الأرض الفلسطينية والتمييز العنصري المفروض على أهاليها منذ 1948، أكبر مظلمة إنسانية عرفها التاريخ الحديث. هذا الكلام صادر عن مواطنين علمانيين، لا عن مدافعين انفعاليين متحمسين إلى أيّ تطرّف إسلامي... إننا معزولون، ومهمّشون، ومحرومون في وطننا من التعبير عن مواقفنا وآرائنا عن طريق التظاهر السلمي، كما هو مسموح به في كلّ البلدان العربية... فمن غير المستحبّ أن يسهم صوتنا في الضغط على قوى الاحتلال وحلفائها، وأن يحثّ على التصدّي لمخطّطات تحجيم القضيّة الفلسطينيّة، حتى القضاء المضمر عليها.
إن فلسطين اليوم باتت مشروع دولة منقسمة ومعرّضة للانقراض. ألم ينصح جون بولتون بإلحاق غزّة بمصر، والضفّة بالمملكة الأردنية الهاشميّة؟ إذا ما تحقق هذا المشروع فستنتهي فلسطين، وينتهي الشعب الفلسطيني. وعندها سنسمع أصحاب النيات الطيّبة يقولون، بعد فوات الأوان: «لم نكن نعلم»!