زياد عبد اللهفي كتابه «السينما ـــــ التاريخ ـــــ العالم» (سلسلة الفن السابع ـــــ وزارة الثقافة السورية، 2008)، يمضي الناقد اللبناني إبراهيم العريس خلف السينما التاريخية، بوصفها «مجموعة شرائط تعيد إلى الشاشة أحداثاً وقعت في الماضي القريب أو البعيد»... وهذا التمهيد الأوّلي يضعه مباشرة أمام الأساليب التي قاربت بها السينما أحداثاً معيّنة، معتبراً أنّ التاريخ، كما حملته الشاشة الكبيرة، كان إمّا جمالياً أو براغماتياً أو نقدياً، ومقدّماً إضاءات متعددة للاختلافات بين نمط وآخر. بعد أن يؤسّس لنقاط الاشتباك بين التاريخ والسينما مؤكداً أنّ علاقتهما «معركة غير متكافئة بين الحاضر والماضي»، يمضي العريس نحو «السينما بين الحرب والإرهاب»، لتكون بدايته مع «سينما الكوارث» التي جاءت دائماً في النهاية بصيغة مطمئنة، حيث المرأة الشريرة تكون أولى الضحايا، بينما الضحايا من دون أسماء أو وجوه، على اعتبارها سينما دينية في المقام الأول، وصولاً إلى فيلم «كينغ كونغ» (1933). في هذا الأخير، لدينا الطائرات والبرج والسينما، في إحالة إلى أحداث 11 سبتمبر على اعتبار هذا الحدث خارجاً من رحم السينما الهوليوودية. إذ إنّ «كينغ كونغ» استخدم الطائرات ليدمّر بها، متّخذاً من «امباير ستيت» رمزاً لكل ما تمثّله نيويورك حينها، كما برجا التجارة العالميين. فكل ما حدث في 11 سبتمبر محسوب بدقة لا ليقلّد السينما، بل ليفيد مما لديها: «السينما قالت منذ زمن بعيد (منذ «كينغ كونغ» مثلاً) إن النقطة الأضعف هي النقطة الأعلى في المدينة. النقطة الأعلى هي الرمز، رمز القوة والحضارة ورمز الغطرسة المدينية التي طالما كرهها أهل السهوب».
يمرّ العريس على أهم الأفلام الحربية في تاريخ السينما، ويتناولها أيضاً على الصعيد العربي تحت فصل «من نكبة فلسطين إلى حروب الخليج». هكذا، يستعرض أفلاماً تناولت الحروب العربية (فلسطين، العدوان الثلاثي، اليمن...)، ويخلص إلى أنّ هذه الأفلام حوّلت غالباً الحرب إلى موضوع الفيلم الرئيس من دون إتاحة المجال لأيّ نقد ذاتي أو حتى تصوير العدو بملامح إنسانيّة، عدا استثناءات قليلة مع التونسي رضا الباهي والأخضر حامينا، وبالتأكيد مارون بغدادي. إذ إنّ العريس يرى أنّ تناول الحرب اللبنانية سينمائياً نجا مما وقعت فيه السينمات العربية الأخرى، لأنّ «اليقين لم يكن وارداً فيها، إنّها حرب عبثية بدت في معظم لحظاتها من دون مبرر ومن دون نهاية».
يشرّح فصل «السينما التاريخ والعالم» ظاهرة مايكل مور بكل ما تعنيه هذا الكلمة، و«حجم الدجل» الذي تحتكم إليه، ويستفيض في تحليل سينما أوليفر ستون، ويضيء على «هامشيّين غيّروا مفاهيم الفن السابع»: محوّلاً الهوامش التي أوجدها البرازيلي غلاوبر روشا والتركي يلماز غوناي وغيرهما إلى متن يحتضن حقيقة السينما ونوازعها الثورية. كما يحمل الفيلم قراءات في عشرة أفلام هزّت العالم وأربعة تيّارات سينمائية... كل ذلك في سرد يحمل كثيراً من المتعة التي تترافق بدورها مع امتزاج مكثَّف للتاريخ والواقع مع السينما، حسب تقديم الشاعر والناقد السوري بندر عبد الحميد: «أكثر من ثلاثة كتب في كتاب مفصلي يحمل المعلومة المقارنة والتحليل والمتعة والرأي المنفتح على كل وجوه الثقافات الإنسانية».