تنقّل بين أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، غطّى النزاعات المسلّحة والانقلابات، وناصر العرب في صراعهم مع إسرائيل... فكلّفه الأمر وظيفته في RFI
ليال حداد
«الإعلام الفرنسي لم يتصالح بعد مع تاريخ فرنسا ولا سيّما مرحلة حكومة فيشي». بهذه الصراحة يعبّر ريشار لابيفيير عن خيبته من التغطية الإعلامية الفرنسية المتحيّزة التي رافقت عدوان غزة. في زحمة التواطؤ الغربي ـــــ الرسمي والإعلامي ـــــ لا يتردّد الصحافي الفرنسي في إعلان مواقفه، المناهضة لإسرائيل والمناصرة للعرب والمقاومة. هو الذي طُرد من عمله في «إذاعة فرنسا الدولية» RFI في آب (أغسطس) الماضي، بعد إجرائه مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد.
الصحافي ـــــ الذي شارك أخيراً في «منتدى بيروت العالمي للمقاومة ومناهضة الإمبريالية والتضامن بين الشعوب والبدائل» الذي أقيم في «الأونيسكو» ـــــ يرصد «بأسف» أداء المحطات والصحف الفرنسية، مسجّلاً أخطاءها في تغطية العدوان. «هل يعقل أن تقوم محطّة مثل FRANCE 24 بالجزم بأنّ «حزب الله» هو من أطلق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات من دون الاتصال بأي مسؤول في الحزب؟». ويذهب لابيفيير إلى اتّهام المحطة بأنّها آلة بروباغندا إسرائيلية أكثر من CNN ومن BBC، مؤكداً أنّ موقفه ليس لتصفية الحسابات الشخصية مع القناة «لكن لا صوت يعلو فوق الصوت الإسرائيلي خلال النزاعات هناك».
أما الصحافة المكتوبة فلا يبدو وضعها أفضل. من Liberation وصولاً إلى Le Monde وLe Figaro يعدّد لابيفيير اختراقات «لأبسط قواعد المهنيّة والموضوعية». هكذا، يرى أن «لو فيغارو» التي حاولت أن تبدو حيادية في تغطية العدوان حوّلت مقالاتها إلى منبر للتهجّم على «حماس» ومناصرة إسرائيل. بينما يعتبر بأنّ «لوموند» «خسرت دورها مرجعاً منذ الثمانينيات». وهنا، يستعيد مقالة كتبها جان ـــــ ماري كولومباني في «لوموند» بعد أحداث 11 أيلول 2001 بعنوان «كلّنا أميركيّون» ليقول ببساطة «كلا، لسنا كلّنا أميركيين».
لا يتمهّل لابيفيير ليعلن السبب الرئيسي وراء هذا التحيّز «إنّها اللوبيات الصهيونيّة وتلك المساندة لإسرائيل التي تضغط على مجالس التحرير الفرنسية». لكن إسرائيل ليست الوحيدة في ممارسة الضغوط على الإعلام الفرنسي، إذ إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تربطه صداقات مع أغلب رؤساء التحرير الفرنسيين «إنها محاولة لـ«أَروَلة» orwellisation الإعلام الفرنسي» نسبة إلى جورج أورويل!
إلا أنّ الصحافي الذي تنقّل بين أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، يستبشر خيراً بالإعلام البديل الذي بدأ بالظهور في الفترة الأخيرة «هناك عشرات الآلاف يعتصمون للتضامن مع غزة. رغم انخفاض نسبة الحرية والتعددية في الصحافة، أصبح وعي المواطنين أكبر بفضل المدوّنات والمواقع الإلكترونية وبعض المنشورات»، أبرزها Humanite و«لوموند ديبلوماتيك» وموقع «بقشيش» www.bakchich.info التي أسهمت في خلق حركة اجتماعية في المناطق المهمّشة في فرنسا: «حين أحاضر عن فلسطين يجتمع آلاف الطلاب للمشاركة... هذه الحركة الاجتماعية هي التي تبقيني ماركسيّاً حتى اليوم».