بعد استهداف الإعلام والتعتيم القسري على ممارسات «تساهال»، صحافيّون من إسرائيل وخارجها يدفعون غالياً ثمن القيام بواجبهم: نقل حقيقة ما جرى في غزّة
صباح أيوب
لم تكتفِ إسرائيل بمنع الصحافيين من نقل وقائع العدوان على غزة، ثم استهدافهم بالقتل مباشرة كي تتفرّد بتأريخ حربها كما يحلو لها. ولم يشبعها على ما يبدو، انحياز السواد الأعظم من المؤسسات الإعلامية في العالم، إذ حرصت على تبييض صفحتها وخدمة مصالحها وخطابها. فقد آن الأوان كي «تهتم» بإعلامها الداخلي فتراقب وتهدّد وتعاقب... صحافييها! «إسرائيل تدافع عن نفسها، إسرائيل لا تستهدف المدنيين، إسرائيل تقضي على الإرهابيين» هذه هي الرسائل التي أراد الكيان الصهيوني أن «يحفّظها» للعالم ولمواطنيه، منذ بدء العدوان، مع التشديد على تغييب الفلسطينيين أحياءً وشهداء. الإسرائيليون كانوا مصممين، مهما بلغ الثمن هذه المرّة، على عدم خسارة المعركة... إعلامياً على الأقلّ. كشفت الدولة الغازية عن وجهها جليّاً خلال العدوان الأخير على غزّة، والأسوأ أنّ المواطنين الإسرائيليين رحّبوا بذلك بشراسة! ضباط الدعاية الحربية في إسرائيل لم يتدخلوا فقط في مضامين النشرات الإخبارية وتوزيع مساحة الوقت والتعابير المستخدمة والصور المنشورة، بل وصل بهم الأمر إلى مراقبة إيماءات الصحافيين خلال إجراء مقابلاتهم، وحركات الحاجبين لدى المذيعات خلال ظهورهنّ على الشاشة! وليست يونيت ليفي سوى خير مثال على ذلك. إذ إنّ المذيعة الإسرائيلية في «القناة الرسمية الثانية» تعرّضت لحملة كبيرة في مؤسستها وعلى شبكة الإنترنت، واتهمت بـ«التعاطف مع العدو»، و«العداء للسامية»، لأنّها قالت على الهواء: «من الصعب أن نقنع العالم بأنّ هذه الحرب مبرَّرة، وخصوصاً أنّ هناك 350 قتيلاً في فلسطين وقتيلاً إسرائيلياً واحداً». وسرعان ما انطلقت عريضة على الإنترنت تدعو إلى توقيف ليفي عن العمل لأنّها أسهمت «في إضعاف الروح الوطنية»، كما ذكرت العريضة أنّ ليفي «رفعت حاجبيها بطريقة ساخرة خلال حديثها عن الجنود الإسرائيليين». وقد بلغ عدد الموقّعين على العريضة نسبة فاقت كل التوقّعات: ما لا يقلّ عن 30 ألف مواطن! إنذار ثان وُجّه إلى الصحافية دانا ويس من القناة الثانية أيضاً، بعدما «بدت على وجهها ملامح الحزن والألم خلال مقابلتها سكان غزّة».
بعض «الاختراقات» الإعلامية سجّلت أيضاً في الإعلام الغربي... على صعيد فردي طبعاً. إذ رفض بعض الصحافيين صرف النظر عن الحقائق السافرة، والانحياز الأعمى لإسرائيل. الإعلامي الإيطالي ميكيلي سانتورو، خلال برنامجه الشهري على قناة «راي» الوطنية الإيطالية، سلّط الضوء على المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، الأمر الذي أثار حفيظة السفير الإسرائيلي في روما، فقدّم احتجاجاً رسمياً إلى المسؤولين الحكوميّين ومدير المحطة، مطالباً باتخاذ إجراءات جزائية بحق سانتورو الذي «اتُّهم» بـ«الوقاحة» و«الانحياز إلى الفلسطينيين».
أصوات نادرة كسرت الإجماع، وخرقت قانون الصمت الذي حاصر ضحايا المجزرة الإسرائيليّة في غزّة، وأبحروا عكس التيّار الطاغي الذي عبّد الطريق أمام الغزاة «الشرعيين» منذ بداية العدوان إلى اليوم. فحتى صور آلاف الضحايا لم تنجح في إيقاظ إعلام العالم الحرّ من سباته.