خضر سلامةكيف تعاطى الإعلام الإسرائيلي مع العدوان على غزة؟ قد يبدو السؤال «ساذجاً»، وخصوصاً بالنسبة إلى متابعي الصحف والتلفزيونات الإسرائيلية. باستثناء صحيفة «هآرتس» التي عرضت الحصيلة اليومية لآلة القتل في القطاع، فإنّ المشهد الإعلامي بدا معتماً. هكذا ركّز الإعلام على عرض «معاناة» المستوطنين في «جبهة الجنوب»، مقابل عرض رمزي لمآسي الفلسطينيين اليومية. رمزية مصحوبة دائماً بالبيانات العسكرية الصهيونية وتبريرها لقصف مدرسة أو عائلة.
اذاً، كان التعاطف التام مع المؤسسة السياسية والعسكرية هو سيّد الموقف، فالمتابع للقنوات الإسرائيلية لاحظ تغييب النقد تغييباً شبه كامل. أما الحجة، فهي الإحصائيات التي تقول إنّ النسبة الأكبر من الجمهور الإسرائيلي داعم للحرب، وإن الجيش يغلق منطقة النزاع ويمنع الصحافيين من الدخول.
الصحف الإسرائيلية ليست أفضل حالاً، «يديعوت أحرونوت» ومنافستها «معاريف»، اتفقتا على تبنّي الخطاب الرسمي الصهيوني، محرّضتين على الحرب منذ اليوم الأول. «هآرتس» لم تتميز في تغطيتها الإخبارية عنهما. إذ اجتمعت المنشورات الثلاث على نقل الخبر من دون أي سؤال أو نقد، إلا أن «هآرتس» تميزت بآراء محلليها ومعلّقيها «الأقل» تطرفاً وتصلباً في الموقف.
مدير القناة العاشرة الإسرائيلية، اعترف لصحيفة «واشنطن بوست» بأنّ «الوضع الإنساني في غزة أشبه بالجحيم» قبل أن يستدرك «لكنّنا لسنا معنيين بذلك، نحن نبث لمواطنينا ولا نعرض الصورة كاملةً كأننا نعرض حرباً في تنزانيا: إنّها حربنا»، في وقت وجهت فيه ثماني منظمات مدنية محلية رسالة احتجاج شديدة اللهجة إلى مسؤولي الوسائل الإعلامية تطالبهم بالتزام «مسافة من التغطية»، ومنتقدة «غياب النقاش حول مبررات سلوك إسرائيل» حسب وكالة «ناشونال نيوز» الإسرائيلية.
بعيداً عن الإعلام الحكومي والموجّه، حاول مستقلون وشيوعيون ودعاة سلام عرض الوجه الآخر من الحرب. إيلان بابه أحد المؤرخين الجدد المعروفين في إسرائيل والمتطرّف في نقده للصهيونية والمفصول من جامعة حيفا بسبب مواقفه، حاول على موقعه الشخصي عرض حقيقة الخلفيات السياسية للحرب على غزة، وأعاد القطعة التي غيّبها المشهد الإعلامي الإسرائيلي. في وقت عمد ميشال فيه فرشوفسكي رئيس «مركز المعلومات البديلة» في صحيفة «لومانيتي» الفرنسية إلى نقد المجتمع الحربي الإسرائيلي من الداخل، مظهراً رأي المعارضين للحرب المغيّبين عن الشاشة والإعلام، ومُظهراً كيف تقوم الدولة باستغلال سديروت كحائط مبكى في الإعلام اليوم فيما توغل في تهميشها اقتصادياً منذ أربعين سنة.