تلفزيونات العالم عاشت «تَحقُّق الحلم»صباح أيوب
«الساعة الثانية بتوقيت نيروبي، السادسة بتوقيت واشنطن، أهلاً بكم في هذه التغطية المباشرة على شاشة «سي.إن.إن»»، هكذا، فجأة، بات «العالم كلّه» يسير على توقيت نيروبي وواشنطن. كيف لا، ورجل الساعة، الرئيس الأميركي باراك أوباما، هو ابن هاتين العاصمتين؟ رجل العام، الرئيس المنصّب منذ يومين، عاش أخيراً اليوم المنتظر معلّقاً أنظار العالم بأسره على الشاشات وعلى شبكة الإنترنت.
يوم التنصيب الرسمي جاء ليكمل مسيرةً إعلامية طويلة ومشهداً استعراضياً ضخماً بدأ يتكرّس مذ أطلّ أوباما مرشّح الحزب الديموقراطي للرئاسة. قصة الرئيس الأفريقي ـــ الأميركي مع الصورة الاستعراضية طويلة إذاً، واهتمامه بالمواكبة الإعلامية ظهر جلياً خلال حملته الانتخابية، حيث كانت للحملة الإعلامية ــــ الإلكترونية دور أساسي في نجاحه. لكنّ أوباما لم يملّ صورته بعد، وبوسع الـ«أوبامانيا» أن تستمرّ حتى اللحظة الأخيرة. رافقت الكاميرات الرئيس المنتخب في «قطاره» وصولاً إلى العاصمة واشنطن حيث كان التجمّع الأكبر للأضواء والنجوم. فأزاح خبر «وصول قطار أوباما إلى واشنطن»، أزمة غزة من الواجهة، وحلّت صور الاستقبالات المبهرجة الفرحة محلّ صور الدماء وأشلاء أطفال فلسطين في معظم وسائل الإعلام الغربية.
تنصيب الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة اتصف بـ«التاريخي» للأسباب المعروفة على اختلافها. والتغطية الكونية للحدث ـــ الذي يعلن انتهاء كابوس اسمه جورج بوش بالنسبة إلى نصف سكان الكوكب على الأقل ــــ أحاطت الرئيس الجديد بهالة كونيّة، كرّست أوباما أيقونةً عالميّة. صادفت الاحتفال الرسمي الذكرى الثمانين لمارتن لوثر كينغ، ما زاد من وهج المناسبة. «حلم» الأول تحقق أخيراً مع وقوف الثاني في ظل قبّة الكابيتول. وركزت عناوين صحافية كثيرة على «تحقيق الحلم» بأشكال مختلفة. وفي السياق نفسه، أحسنت خطة أوباما الإعلاميّة توظيف رمز مهم في الذاكرة الأميركية، هو الرئيس أبراهام لينكولن الذي ألغى العبودية...
ساحة National Mall التي احتضنت الاحتفال، كانت مقصد الصحافيين من العالم، إذ واكبت المحطات الأميركية التحضيرات للاحتفال وانتدبت «سي إن إن» مثلاً مراسلتها الشهيرة كريستيان أمانبور لتنقل أجواء التحضيرات والتمارين، كذلك بثّ شريط «بروفا» الاحتفال طوال النهار. ثم وصلت الفضائيات الليل بالنهار، وكان أحد مراسلي الـ«بي بي سي» حاضراً في الساحة منذ الخامسة فجراً ... وصعدت كاميرا «سي إن إن» على متن مروحيّة خاصة لتلتقط صورة الحشود من السماء. أما «الجزيرة» الإنكليزية فنقلت الأجواء من كينيا (مسقط رأس أوباما) ومن إحدى القواعد العسكرية الأميركية في كابول (أفغانستان)... ولم تبدُ التلفزيونات مزدانة بحلّة العيد إلى هذا الحدّ من زمن طويل... فتزيّنت معظمها بالأزرق والأحمر والنجوم، وابتكرت كل محطة «لوغو» خاصاً بالرئيس، ووضعت بعضها عدّاداً إلكترونياً أسفل الشاشة، معلنة بدء العد العكسي للتنصيب.
أما عائلة أوباما التي تآلفنا معها كمشاهدين مثّلت جزءاً مهماً من التغطية الصحافية العالمية (فساتين الاحتفال، ملابس السيّدة الأولى، تأثيرها على زوجها، نظراتها إليه وهو يلقي القسم...). وبعد الاحتفال «الهوليوودي»و«الاستعراض التاريخي» الذي وصل حدّ الكمال، بات أوباما هو الشعار. وقد لفت أحد المعلّقين إلى الهتاف الذي كان يردده المواطنون، وهو اسم الرئيس «أوباما» دون أي شعار آخر. «ملك الصورة الإعلامية»، عرف تماماً أسرار النجومية إذاً. بعضهم نقل عنه أنه أمضى ساعات أمام المرآة يتمرّن على شكل ابتسامة «توحي بالثقة والقوة» ليظهرها خلال الاحتفال، كذلك دقّق في أصغر التفاصيل من استقبال الضيوف وكيفية التعامل مع الصحافيين، إلى أداء الخطاب وحفظ القسم... بالمناسبة، فإنّ الهفوة التي ارتكبها رئيس قضاة المحكمة العليا أثناء تأدية القسم (قلب كلمات الجملة الثانية)، لم تربك أوباما الذي واصل الأداء حسب الأصول!
ولعل الصورة الإعلامية التي ستبقى في الذاكرة هي وجوه الصحافيين أنفسهم الذين لم يُخفوا الفرحة والحماس وعادوا لدقائق مواطنين عاديين يحتفلون بـ«زعيم الأمل».


رئيس «إلكتروني»

أوباما هو رئيس «إلكتروني» بامتياز. في اللحظة التي نُصّب فيها رئيساً، تغيّرت صفحة البيت الأبيض الإلكترونية ولبست حلة جديدة. أما فريقه الإلكتروني الذي رافقه منذ حملته الانتخابية فجنّد الملايين لإيصال الصورة والمعلومات الحيّة بأحدث الوسائل الإلكترونية «وفق رغبة الرئيس». إضافة إلى الموقع الرسمي للحملة، استُحدث موقع خاص لحفلة التنصيب، كذلك أُنشئت محطة على موقع «يوتيوب» لجمع الأشرطة المتعلقة بالمناسبة، وتولّى الفريق مهمة إرسال رسائل هاتفية قصيرة لنشر المعلومات. من جهتها، كوّنت «سي إن إن» توأمة مع «فايسبوك» فتابع الـ«فايسبوكيون» مراسم الاحتفال مباشرة على صفحاتهم. أما موقع «فليكر» للصور فخصص أيضاً حساباً للحدث على موقعه.

كتيّب إرشادات


وزّع أوباما على المنظّمين المتطوعين كتيّباً يحتوي على تعليمات كيفية التعامل مع الصحافيين جاء فيه: يُمنع مضغ العلكة أثناء الكلام، يُمنع انتقاد الحفلة سلباً، يمنع التكلّم مع الصحافيين إلا في حال تقديم الإرشادات، وليكن كلّ ذلك بطريقة مهذّبة لائقة.