زياد عبد اللهيتحرّك جواد الأسدي في «حمام بغدادي» نصّاً وإخراجاً وسينوغرافيا في مساحة واقعية وبحركية تاريخية متقاربة بين ماض عراقي دامٍ قريب، وحاضر يعزز دمويته يومياً، متكئاً على حصر الشخصيتين الرئيسيتين مجيد (فايز قزق) وحميد (نضال السيجري) بينهما، ليكون أداء الممثلين السوريين مستثمراً إلى أبعد حد لإعلاء صوت الضحية. يبدأ العرض على وقع «قباقبهما» وسرد حياتهما باعتباره سرداً أوّلياً يمثّل اللبنة في بناء علاقتهما مع المشاهد. إنّهما في حمّام يمثّل مجازاً للعراق، وبؤرةً دراميةً يغسلان فيها أدران واقع مؤلم، وأوساخ ماض متحالف أيضاً مع القذارة المحيطة بهذا الحمّام: قذارة استقدمها الاحتلال الأميركي أو جعلها أكثر استفحالاً، وعلى وقع انفجارات هي كتقطيع للمسرحية أو لازمة رافقت أحداثها.
الأخ الأكبر مجيد غارق بالكحول، وكل ما يغرّبه عن واقعه، وأخوه الأصغر حميد ينعته بالمتعامل مع «الأميركان». لكن لحميد أيضاً قصته الخاصة، إذ كان شاهداً على مجزرة جماعيّة في التسعينيات يروي تفاصيلها.
تتوالى تنويعات السرد بين الشخصيتين. ولعل العلاقة بينهما والتباينات الواضحة منَحتهما خصوصيةً استثنائية، حتى يصلا إلى الصفقة التي يعقدها مجيد بنقل ثري عراقي من الحدود الأردنية إلى بغداد ليشارك في الانتخابات هناك، وتحوُّله إلى جثة في تابوت أو مرشّح في تابوت. ويمضي حميد ومجيد في ترجّي القوات الأميركيّة للسماح لهما بالعبور به. «أرجوك، أتوسّل فوهة بندقيتك.. أن تسمحي لنا أن نعبر بجثة مرشح عراقي». ولعل الدلالات في هذه التوسلات واضحة، ورمز هذا المرشح الذي لم يجد إلا التابوت متسعاً له يحمل من مقولة الأسدي الكثير، ما يمنح المسرحية قدرة تكثيفية متقنة. فالجثة نفسها تنفجر من جديد وتستحيل أشلاءً لدى قيام مجيد بنقلها وحيداً بعد تخلّي حميد عنه، وصولاً إلى النهاية حين يغتسلان في حوض الاستحمام ويتهالك بعضهما على بعض.
«حمام بغدادي» درس مسرحي مؤلم، يكفي للهسيس المترافق مع الدخان أن يمنح الخوف فضاءً مسرحياً كاملاً. لرقصة فايز قزق جمالها الخاص، للسطل الذي يضع حميد رأسه فيه ويقرعه بيده باكياً بعدما يقول إنّه ما عاد يتذكر مَن هو «فهو شيعي أمام الحاجز الشيعي، سني أمام الحاجز السني، وكردي أمام الحاجز الكردي...». إنّه شكل من مسرحة الحياة في حمّام، له أن يكون أيضاً ملاذاً موقتاً، ما دام انفجار سيطال مجيد ولن يجد حميد ما يفعله إلا غسله بالماء.