strong> بيسان طياستضاف «مسرح دوّار الشمس» الأسبوع الماضي فرقة «وجوه» المصرية التي قدمت مسرحية «كافيتريا» في عرضين. تدخل إلى صالة الجمهور وصور غزة تحتلّ خيالك: صورة مفجعة، صوت انفجار يحيلك إليها الممثلون والموسيقيون على المسرح، عتمة تغلِّف المكان، ثم يقع انفجار فجأة على خلفية الخشبة، ليُفتتح العرض على «كافيتريا». كل ممثل يجلس وحيداً على طاولة، الموسيقيون في الخلفية. وفي ركن معزول بستار من نايلون، تقف المغنية وحيدةً.
ننسى الانفجار ونغوص في مونولوغات الممثلين، تقطعها المقاطع الموسيقية المتنوعة، معظمها شرقي بالطبع. تبدو الممثلة الأولى كأنها تحاكي شخصين يجالسانها في المقهى، تطرح أسئلة متقطعة، وتردّ ردوداً متقطعة، تغضب... ثم تُطفأ الإضاءة عنها لتسلّط على ممثل ثانٍ يقول إنّه مشتاق إليها أو لأهله أو لأحد ما، هكذا، جمل تبدو كأنها تتكرر... إلى أن يُسلّط الظلام على الممثل، ننساه وننتقل إلى طاولة أخرى حيث ممثلة تحادث أحدهم على الهاتف الخلوي، تقول حروفا: «تَ، آآآ، هَ» تدله على نفسها، تذكّر شاباً يعجبها بنفسها، تتحمّس، ثم تقع في الظلام، ونصل أخيراً إلى الممثل الرابع، ذاك الجالس أمام حاسوبه، يغوص فيه، وحيداً... وحدته تلخّص وحدة الآخرين.
في معظم أوقات العرض، لا يتبادل الممثلون الكلام. كل يحكي مونولوغه، يلتقون خلال الرقص، مع العزف الموسيقي. يقدمون رقصاً معاصراً. أجساد حرة تملأ فضاء الخشبة، تتعانق، تتحاور، يصطدم بعضها بالآخر، وهذا الاصطدام كأنّه امتداد لعنف الوحدة، وقسوة المونولوغات المتقطعة.
تحاول أن تفهم ماذا يريد أن يقول هؤلاء الممثلون الجالسون في المقهى، أو الكافيتريا، وعبثاً تحاول أن تفهم سبب هذا التشتت، هذا العجز عن التواصل مع الآخرين. تنتظر حواراتهم، لكنّها لا تشي بالكثير. إنها ترديد للمونولوغات. المتحاورون لا يفهم بعضهم بعضاً. تركّز فتدرك أن تلك الممثلة التي كانت تصدر أصواتاً أو أحرفاً كانت تقول «تاهَ». وعلى خلفية الخشبة مجدّداً، تشاهد عرض فيديو: أنت ترى «المصري اليومي» (أي المواطن المصري) وهو يتوه في الأمكنة، يركض في الشوارع. ثم يركض الممثلون على الخشبة ويقعون قرب ذلك الجدار الذي يحصرهم، ليعودوا إلينا في الفيديو، يركضون في الشوارع ويتوهون في غرفة مقفلة، يستسلمون للجدران التي تحبسهم.
«كافيتيريا» (نصّ عز درويش، فكرة وإخراج محمد فؤاد، الممثلون والموسيقيون والمغنية كلهم من الجيل الشاب)، قد يصعب فهمها على مَن لا يعرف الواقع المصري عن كثب. لكنه سينسجم فيها بالتأكيد بسبب الجهد المبذول وتلك اللغات التي نجح معدّوها في توليفها من التمثيل والموسيقى والغناء إلى الرقص المعاصر والفيديو.