صامدون» هو عنوان الأمسيتين اللتين قدّمهما الفنان اللبناني في العاصمة السورية، وعاد ريعهما لأطفال غزّة. وبهذه الطريقة، سلّمت احتفاليّة دمشق شعلتها للقدس
دمشق ـــ منار ديب
بعد أقلّ من شهر على إقامته حفلات في العاصمة والمدن السورية، عاد مارسيل خليفة مجدداً إلى دمشق في أمسيتين تضامنيّتين مع غزّة. وإذا كان الفنّان اللبناني قد استهلّ حفلته الأخيرة في صالة الفيحاء بتوجيه تحيّة إلى «أهلنا في غزة» مع بدء العدوان الإسرائيلي، فإنّ الحفلتين اللتين قدّمهما مع «الأوركسترا الوطنية السورية» أمس وأول من أمس حملتا عنوان «صامدون»، وهي الكلمة المستلّة من غنائية «أحمد العربي» من أشعار محمود درويش (أنتمي لسمائي الأولى وللفقراء في كل الأزقة ينشدون: صامدون..) وألحان مارسيل خليفة. ورغم أن هذا العمل ليس جديداً، إلا أنّه قُدّم للمرة الأولى على خشبة المسرح، إذ شهدت قاعة الأوبرا في «دار الأسد للثقافة والفنون» حفلة كبيرة عزفت فيها الأوركسترا السورية المكوّنة من 180 عازفاً بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، بمشاركة كورال المعهد العالي للموسيقى الذي غنّى مرافقاً لمارسيل وأميمة الخليل.
وإذا كانت غنائية «أحمد العربي» الفقرة الأساسية في الأمسية، إلا أنّ خليفة بدأ بمقطوعة مهداة إلى فلسطين، واختتم بأغنية «يما مويل الهوى». ولم تُوجَّه أي بطاقة دعوة إلى «صامدون»، إذ خُصِّص ريعها (10 دولارات، 20 دولاراً، 30 دولاراً) لأطفال غزة، ضمن الحملة الوطنية التي تُقام بالتعاون مع منظمة «الهلال الأحمر» السوري و«الأونروا».
الأمانة العامة لاحتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» التي ألغت حفلة ختام فعالياتها تضامناً مع الشعب الفلسطيني، شاءت أن يتّخذ تسليم الراية للقدس «عاصمة الثقافة العربية 2009» هذه الصورة، مشددةً على معاني الصمود والمقاومة، وخصوصاً أنّ معالم احتفالية القدس لم تتضح بعد. ويُنتظر أن يُقام عددٌ من فعالياتها في عواصم عربية أبرزها دمشق.
نصّ غنائية «أحمد العربي» هو قصيدة محمود درويش الطويلة «أحمد الزعتر» في ديوان «أعراس» التي كتبها عقب أحداث مخيم تل الزعتر، (يقول المقطع الشهير: أنا أحمد العربي فليأتِ الحصار) والقصيدة من المغامرات الحداثية المبكرة لدرويش التي خاض فيها مارسيل خليفة تجربة تلحين نص طويل لا تخلو بعض مقاطعه من غموض، فيما تخفت النبرة الغنائية. لذلك جاء عمل خليفة على النص مفترقاً عن الموسيقى التي تقترحها الكلمات كما اعتاد أن يفعل مع نصوص أخرى لدرويش، فذهبت الموسيقى في اتجاهها الخاص مبشّرة بخليفة المؤلف الموسيقي الذي سنعرف أعماله الموسيقية الخالصة بعد عقود. وإذا كان هذا التقديم لـ«أحمد العربي» قد حافظ على الصيغة المعروفة للعمل تقريباً، إلا أنّ أداءه مع أوركسترا وكورال كبير، قد أتاح نوعاً من إعادة الاكتشاف الفني (وإن كان الاختيار مرتجلاً وسريعاً ومرتبطاً بالحدث الغزاوي الساخن)، وأنقذَ نص درويش ولحن خليفة من التقادم الذي قد يسبّبه الصدور عن مزاج وذوق خلنا أنّه لم يعد موجوداً. وبمعزل عن ربط النص بمناسبة أو حدث، كل شيء يؤكد أنّه ما زال يكرّر نفسه.