ليال حدادمعركة عبثيّة جديدة احتضنتها الساحة الإعلامية اللبنانيّة في الأيام الماضية، مع ما يواكبها من اتهام ونفي وإثارة، بشأن «قضيّة» تعليق صورة حسن نصر الله في سبحة صلاة مسيحيّة. فقد شُغل المواطن «الفاضي البال» بردود فعل الأطراف المعنيّين الذين تقاذفوا بيانات الرد والرد المضاد، انتهاءً بموقف بكركي الذي دعا إلى الرصانة وعدم الخلط بين السياسي والديني. نصيحة ثمينة طبعاً، شرط أن يبدأ بعض رجال الدين أنفسهم بتطبيقها!
الحكاية بدأت مع تحقيق نشرته صحيفة «النهار» الجمعة الفائت عن سبحات مزعومة، تحمل صورة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. علماً بأن هذه القضيّة التي لم تثبت يوماً صحّتها، تعود إلى أكثر من عام. فهل تجددت أخيراً؟ أين انتشرت السبحات الخطيرة هذه؟ لا أحد يعرف. ما نعرفه هو أن موقع «القوات اللبنانية»، لم يترك هذه الفرصة الثمينة تفوته في اللعب على مشاعر الخوف أو التعصب لدى فئة من روّاده، فإذا به يشنّ حملة تحريض على «حزب الله الذي ينتهك المقدّسات المسيحية» وفق ما جاء في الموقع.
ومن سبحة الفتنة الافتراضيّة تلك، إلى أكسسوارات التحريض الأخرى... هناك خطوة واحدة لم يتوانَ موقع «القوات» عن القيام بها، إذ عرض على صفحته الأولى فيديو نشيد «للسيّد ربٌ يحميه» لفرقة «الولاية» التابعة لـ «حزب الله» مع مشاهد قيل إنها مصوّرة داخل كنيسة مار يوسف في حارة حريك. وهو ما نفته هيئة «التيار الوطني» في حارة حريك، مؤكدةً أنّ الفرقة التي وردت صورتها في الموقع ليست فرقة «الولاية»... وأنّ العمل ليس من إنتاج «حزب الله».
هكذا شُغل البلد بصراع افتراضي بين مدنّسين (بفتح النون) ومدنّسين (بكسرها)، فصرّح البطرك، وتبرّأ «حزب الله»، ونفى كاهن رعية حارة حريك... كل ذلك انطلاقاً من خبر غير مؤكد، والأرجح أنه ملفّق، تضخّم على موقع إلكتروني.
«حين يقول النشيد: يأمر السيد فالكل يلبّي من داخل الكنيسة، فنحن نعتبرها أكبر إهانة لنا» يقول طوني أبي نجم مسؤول الموقع القواتي، الذي يصرّ على هذا «السبق الصحافي». ألم تتلاعب القوات بالرموز، وتستغلّ المقدسات، خلال حملتها «أنتم الأرزة ونحن خطّها الأحمر»، إذ أقحمت سيدة حريصا ويسوع الملك في حملة ترويج سياسيّة؟ ثم لماذا هذا الإصرار والميل الجامح لدى بعضهم إلى تصديق شائعة السبحة التي ليس لها أية قيمة أو صدقيّة؟ هناك شائعات أخرى عن سبحات تنتشر بين مناصري «القوات» مع صورة الدكتور سمير جعجع، فهل نصدقها ونتراشق بها أيضاً؟ وماذا عن لقطات الفيديو التي يضعها مناصرو «القوات» على «يوتيوب» وتنضح بكل أشكال الطائفية؟... وليس آخرها شريط «لمّا إلهي» الذي يبدأ بشكل ترنيمة لينتهي بتصنيف الأعداء والأصدقاء مع صور قدّيسين وصلبان و... «الحكيم».
أسئلة كثيرة مطروحة على بساط البحث، عشيّة انعقاد المائدة المستديرة التي تنظّمها «المبادرة اللبنانية للإعلام المدني» بشأن «التحريض في الإعلام الإلكتروني اللبناني» (31 الجاري في فندق «كومودور»).