يعود بطلا «تايتانيك» (1997) ليقفا وجهاً لوجه في فيلم يرصد تحطّم الأحلام على صخرة الواقع

زياد عبد الله
يكفي لانزياح بسيط أن يقلب حياةً رتيبة رأساً على عقب. لا بل إنّ مجرد تصعيد الوهم في حياة مُتخمة بالواقع، سيؤدي لا محال إلى مساحة من اللعب، وإن كان لعباً بالنار أو الرمل الذي سيتسرّب بين أصابعنا ما لم نكن أوفياء له. من هنا، يقدّم سام مندس جديده Revolutionary Road من دون أن ينفصل عن Jarhead (2005) آخر أفلامه الذي ركّز فيه على حرب الخليج الأولى مسجّلاً مقولةً خاصةً تتمثل بأن تلك الحرب كانت «حالة استمناء» لأنّ كل ما كان يطمح إليه «المارينز» في الفيلم هو إطلاق رصاصة واحدة. هكذا، قدّم مندس ما اعتُبر نيلاً من مفهوم «البطولة الأميركية» حيث الجنود يقتلون الملل بدل الأعداء! فيلم لم يُسلَّط عليه الضوء على عكس باكورته «جمال أميركي» (1999) الذي حصد فيه 5 أوسكارات... هو القادم من خشبة المسرح.
في «طريق ثوري»، يستكمل مندس ذلك «الجمال» بكل هدوئه الذي يسبق العاصفة. ما يدفعنا للتأكيد أنّه في الأفلام الثلاثة المذكورة، يأتي مندس دائماً من دراما أعماق النفس البشرية، مقدّماً شخصيات محكمة البناء تعيش صراعاتها ومصائرها من دون أن تفارق واقعها.
استكمالاً لِما تقدم، فإنّ هذا «الطريق الثوري» سيفضي بنا إلى أعماق شخصيتين، صاغهما الروائي الأميركي ريتشارد يتس (1926 ــ 1992). ولعل الفيلم يتخذ من القيمة الأدبية العالية لهذا العمل الروائي مَعبراً ليقدّم قيمةً سينمائية مسكونة بهواجس مسرحية: هما زوجان كانت تظللهما الأشجار، فإذا بهما في صحراء حياة عادية جداً، عاريين تماماً بغياب الأحلام. فرانك (ليوناردو دي كابريو) يمارس عملاً لا يحبّه. الرتابة نفسها، الجهد الذي يبذله يضمن تسلّم راتبه آخر الشهر، يخون زوجته مع موظفة، يعود إلى البيت ليجد زوجته ابريل (كيت وينسلت) مع ابنتيه وقد أعددنَ له حفلةً بمناسبة عيد ميلاده. أما هدية زوجته، فتكون قرارها بأن يهجرا أميركا إلى باريس، حيث ستعمل بينما يتفرغ هو للتأمل والقراءة. إذ إنّ أبريل تؤمن بأن الوقت حان للتمتّع بحياة أخرى تُشبههما غير الحياة التي تعطي الإنسان «وهم السعادة والارتقاء» الذي يتمثّل في اقتناء بيت وسيارة ووظيفة.
هذا التغيير ـ وإن لم يحدث ـ سيشعل الحرائق ويفتح أبواب الأمل على مصاريعها، سيتّقد الحب بينهما مجدّداً. والمفارقة أنّه سيدفع فرانك إلى تحقيق نجاحات في عمله. وعليه، سنكون هنا أمام ذروة درامية مبنية على وهم سيتكشّف عندما تحمل أبريل. ما يمثّل العائق الأكبر أمام سفرهما فيتحول إلى كارثة في النهاية، حين تقرر أنّها لن تعود أبداً إلى حياتها السابقة، ولو كان ثمن ذلك خيانة طارئة وأقصى درجات الألم بما في ذلك الموت.
في «طريق ثوري»، يجري توظيف الشخصيات الثانوية لتسليط الضوء على ما يعتمل داخل فرانك وأبريل، مثلما هي الحال مع شب وميلي صديقَي العائلة. إذ إنّ أبريل تستجيب لنزوة مع شب الذي سنعرف أنّه متيم بها بصمت. كما أنّ جون (مايكل شانون) الخارج للتو من مصح عقلي، سيكون بمثابة المصعِّد للخلاف بين أبريل وفرانك. إذ إنه يسمّي الأشياء بأسمائها، كأن يقول «ناس كثيرون يعيشون الفراغ، لكن تصعب معرفة أنّ هذا الفراغ هو بلا أمل»، وحين ينفجر فرانك في وجهه، يوجّه جون حديثه لأبريل الحامل قائلاً «أنا سعيد لأنني لست ذلك الجنين».
«طريق ثوري» اسم على مسمّى رغم أنّه اسم الطريق حيث يقع بيت أبريل وفرانك، لكن هذا الطريق سيكون مجازاً لثورة شخصية صغيرة، ستتحول إلى عصيان أنثوي بعد أن نكون ـ منذ بداية الفيلم ـ قد وقعنا على أبريل وهي تكتشف أنّها ممثلة فاشلة اصطدمت أحلامها وطموحاتها بصخرة الواقع والأعباء العائلية كزوجة وأم وربة بيت. إنّه اصطدام بالجبن المتأصل في الإنسان أو الذكورة التي يجسّدها هنا فرانك ورغبته في الاستقرار والاستكانة لكل ما هو معدّ سلفاً، وحياة لا تحيد يميناً أو يساراً، والطمأنينة التي هي في النهاية «دناءة روحية» كما يصفها تولستوي.

في صالات «أمبير» و«غراند سينما»