ملتقى عرب سات السنوي الرابع للبث التلفزيوني الفضائي»، لم يفتح الباب أمام تقويم مسيرة ربع قرن من حياة هذا القمر الصناعي الذي نقل العرب من عصر إلى آخر، لكننا استمعنا إلى حمدي قنديل وإلى «مفاجأة» الوزير باسيل
ليال حداد
مرة جديدةً، اختارت مجموعة «الاقتصاد والأعمال» بيروت لتنظيم «ملتقى عرب سات السنوي الرابع للبث التلفزيوني الفضائي» الذي يُختَتم اليوم. اجتمع أمس المشرفون على القمر الصناعي الأول في الشرق الأوسط مع العاملين في مجال الإعلام لعرض المشاريع المستقبلية لـ«عرب سات» ومناقشة استراتجيته. لكنّ الرتابة تسلّلت إلى الجلسة الافتتاحية التي كانت متاحة للجمهور في فندق «فينيسيا» (شأنها في ذلك شأن الجلسة الختاميّة اليوم)... لولا المفاجأة التي حملها إلينا وزير الاتّصالات اللبناني جبران باسيل. إذ تطرّق إلى إنشاء «مدينة إعلامية مفتوحة في بيروت».
الجلسة الافتتاحيّة اقتصرت على كلمات تكتفي بعرض إنجازات «عرب سات»، من دون أيّ مراجعة لمسيرته منذ انطلاقته الرسمية في الفضاء العربي عام 1985. هكذا أعلن رئيس مجلس إدارة «المؤسّسة العربية للاتصالات الفضائية» فريد خاشقجي ـــ الذي يشغل أيضاً منصب وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية ـــ تحوّل القمر إلى «مفخرة اقتصادية واجتماعية وثقافية بعدما عرض خطّته في بناء أسطول إعلامي تقني متكامل. هكذا، جرت زيادة رأسمال «عرب سات» إلى 500 مليون دولار، محققاً بعداً اجتماعياً في تعميق التواصل عبر توفير دوائر الربط الهاتفية». أمّا التقارب الثقافي فتحقّق عن طريق القنوات التلفزيونية والإذاعية.
هل يمكن اختصار تجربة «عرب سات» في العالم العربي بهذه النقاط الثلاث؟ ربّما لبّى هذا القمر الصناعي حاجات المجتمعات العربيّة بشكل من الأشكال، إلا أن سياسة إدارته عانت من ثغر كثيرة. هل حقق فعلاً «عرب سات» الأهداف الثقافية والاجتماعية التي أُنشئ من أجلها؟ هل يمكن اعتبار انتشار القمر واحتلاله المرتبة التاسعة عالمياً بين أفضل مشغّلي الأقمار الصناعية، دليلاً على سلامة النظام الإعلامي العربي؟
نظرة سريعة إلى مسيرة «عرب سات» تظهر ثغراً عدة عجزت عن سدّها، ولا سيّما في ما يخصّ الرقابة المفروضة على الإعلام العربي أرضياً وفضائياً. إذ أعلن المسؤولون مراراً أن القمر هو وسيط لا علاقة له بالمضمون الذي يبثّ. لكنّ الحكومات العربيّة، بما تمثّله من قيم ومصالح، تُحكم قبصتها تماماً على القمر. تملك السعودية 36 في المئة من الأسهم، بينما تتقاسم الحكومات العربية باقي النسب، وهو ما يشكّل تلقائياً خطراً غير مباشر لفرض الرقابة على المضمون، وكان صمت «عرب سات» الذي أعقب صدور وثيقة تنظيم البث الفضائي في شباط (فبراير) الماضي خير دليل على ذلك.
وفي هذا الإطار، فإن الإعلامي المصري حمدي قنديل، الذي حلّ ضيف شرف على المؤتمر، وصف هذه الوثيقة، بـ«الوسيلة الواضحة لقمع القنوات والبرامج السياسية التي لا تتفق مع هوى الأنظمة». ولعلّ الإعلامي المخضرم هو أكثر المخوّلين الحديث عن هذا الموضوع، بعد المصير الذي لاقاه برنامجه «قلم رصاص» المدافع عن خيار الممانعة، على شاشة «دبي». ولم يفوّت قنديل الفرصة لتمرير رسائل سياسية في صلب النقاش الإعلامي، إذ أكّد مخترع عبارة «أمّة مهنّد»، أنّه لم يعد في إمكان أي نظام عربي أن يقول إنه لم يعرف ماذا حصل في غزة «شظايا القنابل كانت تنفجر في منازلنا وصوت المدافع يدوّي في غرف معيشتنا...».
غير أن الحدث الأهم في افتتاح الملتقى كان ما أعلنه الوزير جبران باسيل بالعزم على إنشاء مدينة إعلامية مفتوحة في لبنان. وهو ما يعيدنا إلى 1996 حين اقترح رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري إنشاء مدينة مشابهة... إلا أنّ المشروع أُجهض لأسباب عدة، بدءاً من أقاويل عن ضغوط فرضتها الإمارات العربية لمنع إنشاء هذه المدينة بموازاة تأسيس أخرى مشابهة في دبي، وصولاً إلى عدم توافر «القرار السياسي» لبناء المدينة في ذلك الوقت، وفق ما يقول رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ... فهل يتمكّن باسيل من تحقيق ما عجز الحريري عنه؟ وما هي العوائق التي تقف أمام إنشاء هذه المدينة؟
إن الحديث عن مدينة إعلامية في لبنان يبدو معقّداً بعض الشيء. فالبنى التحتية لا تزال غير جاهزة، وهذا القطاع يحتاج إلى الكثير من التطوير ويتطلّب تعاوناً بين مختلف الوزارات وخصوصاً وزارتي الاتصالات والإعلام. ولعلّ أول العوائق يتمثّل في خفض تعرفة وسائل الاتصالات، من الهاتف إلى الإنترنت، مروراً بالبث الفضائي، وضرورة تأمين مناخ سياسي وأمني يستقطب الفضائيات التي اتخذت من دبيّ وقطر وغيرها من دول الخليج مقراً لها. أمّا وزارة الإعلام اللبنانيّة فتبدو حتى الساعة غائبة عن المشهد. إذ أعلن باسيل أن الوزير طارق متري متحمّس للفكرة، لكنّه «لسبب مجهول، لم يدخل بعد في التفاصيل».


إطلاق أول أقمار الجيل الخامس