يحيى فكريزوّار «معرض القاهرة الدولي للكتاب» تآلفوا مع المشهد عينه منذ سنوات: جحافل الأمن المركزي التي تحتل قسطاً من النجوميّة في أرض المعارض! إلا أنّ الأمر هذا العام تجاوز كل ما اعتدناه. فقد أصابت أحداث غزة أجهزة الأمن المصرية بأداء شديد العصبية والتوتّر. وبعدما افتتح المعرض في 22 الحالي، فوجئ روّاده في اليوم التالي بإغلاق أبوابه حتى الثانية ظهراً، منعاً للتظاهر تضامناً مع غزة، كما جرت العادة أيام الجمعة بعد الصلاة.
هكذا وقف الآلاف لساعات في طوابير أمام بوابات المعرض، ومنع كل من يرتدي ما يشبه الكوفية الفلسطينية من الدخول... وأوقف كلّ من يحمل أوراقاً لفحصها، فضلاً عن تفتيش الزوّار داخل المعرض. أمّا السيارات التي تحوي كتباً، فمُنعت من الدخول، وحمل الناشرون كتبهم من البوابات إلى أجنحة العرض الخاصة بهم. وأدّت الهستيريا الأمنية إلى إضفاء المزيد من البهتان على هذه الدورة، بعد استبعاد كل المثقفين المعارضين للنظام عن ندوات المعرض وغياب الكاتبين الإيطالي أنطونيو تابوكي والأفغاني عتيق رحيمي رغم إعلان إدارة المعرض مشاركتهما.
لكن فجأةً... ظهر شرطي وشرطية يرتديان الزيّ الرسمي لـ«سكوتلانديارد»، كل منهما يجرّ دمية على شكل كلب صغير. راحا يتجولان في المعرض، ويستجوبان الزوّار بالإنكليزيّة بطريقة كاريكاتوريّة. وسرعان ما اكتشف الجميع أنّهما الممثلان ريك جيروم وهاف مورغان من فرقة «مسرح الطبيعة» الإنكليزية التي تشارك في عروض لمسرح الشارع داخل المعرض، ضمن الاحتفال ببريطانيا كضيفة شرف على التظاهرة. كما قدّم الممثلان مع زميليهما مارك بيشوب وروز بوباي، عرض «الحقائب الوردية»، ويروي قصّة أربعة ضلّوا الطريق إلى لندن، يتجولون في أرجاء المعرض طالبين من الناس إرشادهم. وتؤكد هاف مورغان أنّ عرض الشرطيين «قُدم قبلاً في بلدان عدة ولم يصمّم خصيصاً لمعرض القاهرة، ولو أنّهم اختاروا تقديمه هنا بسبب معرفتهم بالحالة الأمنية في مصر».
أمّا أكثر مشاهد العرض عبثيّة، فتمثّل بدخول «الشرطيّين» المزعومين إلى نقطة الشرطة الحقيقية، ووراءهما الجمهور الواسع. أربك الأمر ضباط الشرطة المصرية، وخصوصاً حين قدّمت الممثّلة كلبشات معدنية إلى مأمور النقطة هديةً من سكوتلانديارد إلى الشرطة المصرية... فيما الجمهور مستغرق في الضحك. وتكرر الموقف بشكل مشابه خلال عرض «الحقائب الوردية»، عندما أوقف الممثّلون إحدى عربات الأمن المحملة بالجنود وطلبوا من سائقها أن يوصلهم إلى لندن... ما أدّى إلى تفاعل ساخر مع الجنود. وفي كلا الموقفين، نجح الممثلون بالفعل في كسر الإحساس برهبة الشرطة لدى الجمهور المتابع. وربما تكون السخرية هي الأداة الوحيدة التي يحتاج إليها عامة المصريين في التعامل مع جهاز القمع.