محمد شعير مع أحمد اللبّاد تغّيرت المعادلة الشهيرة «الكتاب يظهر من عنوانه»، فصارت: «الكتاب يظهر من غلافه». لقد استطاع أن يصبح جزءاً فاعلاً من حركة الكتابة الجديدة في مصر، لا بكتاباته... بل بأغلفته المختلفة. وكان من الطبيعي أن يُستقبل معرضه الأول الذي ضمّ أغلفة من تصميمه بحفاوة في القاهرة. في المعرض الذي اختُتم أخيراً في «أتيلييه القاهرة»، اختار هذا الفنان الشاب 140 غلافاً من بين 500 كتاب صمّمها. الإيحاء والبساطة والأمانة في التعبير عن محتوى الكتاب، هي المعايير الأساسية لعمل اللبّاد الصغير. أغلفة «تشي» بالعمل، ولا تفضح سرّه... ورموز تنقل تفاصيل من الحياة اليومية من داخل العمل، يمكن اعتبارها نصّاً مكثّفاً وموحِياً يمهّد للكتاب، وقد تكون نوعاً من القراءة النقدية الأولى له. اختار اللبّاد «وجوه الكتب» عنواناً لمعرضه. الوجه، كما يقول، «هو السمة الأساسيّة لشخصية صاحبه... وعلامة تفرّده الفارقة، وهذا هو بالضبط ما يجب أن يحققه الغلاف». كل كتاب شيفرة، يلتقطها اللباد، ويبني عليها رؤيته للعمل، لكنّها تأتي أيضاً متوافقةً مع السياسة التحريرية لكل دار على حدة. الفنان الغرافيكي الذي بدأ مع «دار ميريت» مغامرة تقديم الكتابة الجديدة، صمّم أغلفة مختلفة تماماً حين عمل مع «العين» أو «الشروق» أو «هيئة قصور الثقافة»... فالفلسفة التي تستند إليها تجربته الفنية، ومقاربته الإبداعيّة، هما رفض سيادة نمط معين على عالم التصميم الفنّي.
يقرأ اللباد النص جيداً ثم يتركه يختمر داخله، ويبدأ إنجاز اسكتشات ليصل به إلى المرحلة الأخيرة «تحت الإنتاج»: «أجرّب عليه مثلاً هل أستخدم الرسم مع الفوتوغرافيا أم كليهما معاً». وحتى يصل إلى روح النص، لا بد من أن يكون العمل الذي يقدمه جيداً أو على الأقل ذا مستوى «معقول» لا يخضع لمسألة حبّ وكراهية، أو يتعارض مع قناعاته الإيديولوجية. لكنه عندما يفكر في الأمر، سيرى أنّه سيرفض تصميم أغلفة كتب ذات منحى عنصري، أو أخرى يمكن اعتبارها بشكل أو بآخر مع «التطبيع» مع إسرائيل!
ورغم أن اللباد الصغير هو ابن أحد أشهر فنّاني الغرافيك ديزاين في العالم العربي، أي محيي الدين اللبّاد، فهو دائم الحرص على أن يقدم شيئاً مختلفاً. إنّه يعيش في جلباب أبيه حسب تعبير إحسان عبد القدوس. لكنّ تجربته كلّها تقوم على أمثولة أساسيّة تعلّمها من والده: «لقد حرّضني أبي على أن أرى بعين مختلفة».