بيروت عاصمة عالميّة للكتاب» هل تفتح أمام الناشرين العرب آفاق العالميّة؟ السؤال تجلّى في نقاشات «مؤتمر الناشر العربي» الذي عقد على هامش معرض الكتاب
سناء الخوري
إختتم أمس في البيال «مؤتمر الناشر العربي» الذي ينعقد للمرّة الثالثة في بيروت (بعد 2005 و2007). جاء المؤتمر على هامش «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، ما جعل المعنيين يتوقّعون منه طرح بعض القضايا الأساسية التي تطول أهل صناعة الكتاب. لكن الناشرين العرب الذين أخذوا على عاتقهم «تشخيص المعوقات التي تواجه التأليف والنشر والتسويق»، ناقشوا مسائل نظريّة غالباً، بعيداً عن الاحصاءات الدقيقة، والحلول العمليّة للمشاكل المطروحة اليوم على الكتاب، صناعة وترويجاً... وكالعادة انتهت الجلسات بمجموعة توصيات إلى الجهات الرسميّة، على أمل أن تنعكس ايجاباً على واقع الكتاب العربي.
وقد لفت منسّق المؤتمر الشيخ فضل مخدّر، مدير ديوان الكتاب للثقافة والنشر، الجهة التي تنظّم المؤتمر بالتعاون مع دار الهادي، إلى «أنّ الهدف ليس تقديم الحلول، فالمسألة تحتاج إلى الكثير من الوقت. إن القضايا التي تتعلّق بنشر الكتاب وإصداره وتوزيعه وقراءته... كلّها تحتاج إلى علاج. أما الهدف من النقاش، فهو طرح تساؤلات قد تساهم في إثارة أفكار على طريق الحلّ». هل يفسّر ما سبق النزعة الطموحة التي دارت حولها الجلسات؟ بحث المشاركون مسألة الكتاب العربي وإمكانيّة وصوله إلى العالميّة، والتجديد فيه لغة ومضموناً، والتنوّع الثقافي وتأثيره على عالميّة هذا الكتاب... والتحديات التي يواجهها نشر الكتاب الورقي في زمن الإنترنت.
بدا ضيق السوق من المشاكل التي وضعها المؤتمرون نصب أعينهم. فقبل البحث عن إمكانيّات الترجمة وبلوغ العالميّة، ينبغي برأي بعض المتداخلين أن نسأل عن مدى اقبال العرب على قراءة الكتاب الذي يطمح إلى العالميّة؟ هل عالميّة الكتاب العربي إشكاليّة راهنة، في الوقت الذي نشهد تراجع القراءة باللغة العربيّة، فيما يتحوّل الجيل الحالي إلى الإنكليزيّة. طرح أيضاً سؤال آخر في هذا السياق: هل تشكّل اللغة عائقاً أمام العالميّة، حين يستحقّها الكاتب؟ ما الذي يدفع بدور النشر العالميّة إلى ترجمة روايات ماركيز ونيرودا في العالم، فيما تبقى الترجمة من العربيّة خجولة؟ صحيح أنّ القواميس العربيّة تباع بكثافة في العالم بعد أحداث 11 أيلول 2001، وهو ما اعتبره المشاركون فرصة للنشر في الخارج، لكنّ مسألة «العالميّة» هذه أبعد من اللغة.
وقد توقّف بعض المتحدّثين عند ضرورة ارتقاء ما ينشر في الضاد إلى هواجس القارئ العالمي ومشاغله كإنسان، مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ الأسماء العربية التي لمعت في الغرب ودخلت في المكتبة الكلاسيكيّة كجبران وإدوارد سعيد... عاشت في الغرب، وتمكّنت من روحيّة الفكر العالمي وآليات مخاطبته بلغة يفهمها. لكن هل يتحمّل الكاتب العربي وناشره وحدهما مسؤوليّة القصور الابداعي أو صعوبة التواصل مع العالم؟ ماذا عن مسؤوليّة الأنظمة العربيّة التي تخاف الإبداع، وتمنع الكتب، وتلاحق أصحاب الفكر النقدي والتجارب المغايرة للسائد؟
على صعيد الشكل، كانت الإشكاليّة التي واجهت المؤتمرين تحديّات العولمة والكتابة الإلكترونيّة. هنا دار النقاش حول التوفيق بين الانتماء إلى التراث العربي، والانفتاح على العولمة.
وفي هذا السياق لفت أحد الحاضرين، إلى أن العربيّة حلّت هذا العام في المرتبة العاشرة على لائحة اللغات المقروءة على الشبكة العنكبوتيّة، في حين كانت في العام الماضي في المرتبة الخامسة عشرة. ورغم الأميّة الإلكترونيّة التي يعاني منها شريحة من العرب، راهن بعض المؤتمرين على هذا التقدّم لطرح إمكانيّة أن يتصالح العرب مع القراءة، خصوصاً الشباب الذين يمضون وقتهم على الإنترنت. هكذا انحسر تدريجاً طموح العالميّة، لنغادر الصالة في البيال مع فكرة موت الكتاب المطبوع الذي سيدخل قريباً المتحف، تاركاً مكانه للنشر على الإنترنت.