حطّوا رحالهم في بيروت. قالوا: نريد «نقل» صورة مغايرة عن العربي إلى مشاهدي التلفزيون الهولندي. لكن إلى أيّ مدى تجنّبوا فخّ السذاجة التي تلامس الفوقيّة والعنصريّة؟
ليال حداد
المشهد الأوّل: درّاجة ناريّة تقف في منطقة أرض جلول (الطريق الجديدة) في بيروت، والمفتاح في قُفله. بعيداً عن الدرّاجة، يقف هارالد دورنبوس مراسل تلفزيون «فارا» Vara الهولندي ذي التوجّه الاشتراكي، منتظراً أن يأتي أحد شباب الحي ويسرق الدراجة. ساعة، ساعتين... لم يسرق أحد الدراجة. المشهد الثاني: في محاولة للفت الانتباه، يضع دورنبوس حاسوباً محمولاً lap top، على الدراجة، ويبتعد. لكن مجدداً، بقي الحاسوب في مكانه.
المشهد الثالث: فوق الدراجة والكومبيوتر، يضع المراسل الهولندي، عصّارة ليمون كهربائية، وينتظر. غير أنّ هذه المحاولة أيضاً باءت بالفشل.
تنتهي التجربة الهولندية بخلاصة واضحة: العرب والمسلمون لا يسرقون! قد يبدو هذا الاستناج غريباً للعرب بل إنّ فكرة الاختبار نفسه مستهجنة، لكنّ الأمر ليس كذلك في هولندا. فحزب PVV اليميني المتطرّف ـــ الذي ينتمي إليه النائب غيرت وايلدرز صاحب فيلم «فتنة» ـــ أطلق أخيراً حملة عنصرية ضدّ العرب كان شعارها «انتبه العربي سيسرق دراجتك».
لذا، قرّر مكتب بيروت في التلفزيون الهولندي مجاراة هذه الفكرة العنصريّة إلى الآخر... ربّما حتى السذاجة! هكذا، صوّر تجربته في أرض جلول ونقلها إلى المشاهد الغربي. «هدفنا ليس تلميع صورة العرب» يقول دورنبوس، «فأغلب لصوص الدراجات والسيارات في هولندا هم فعلاً من العرب، لكنّنا وجدنا أنّ هذه السرقات نادراً ما تجري في الدول العربية»! ويروي المراسل تجربته في لبنان، حيث مضى على وجوده أربع سنوات ولم يتعرّض يوماً للسرقة، «فيما سرقت منّي 26 سيارة خلال سنوات إقامتي الثماني في أوروبا».
لكنّ التقرير الذي يصوّر عدم مبالاة أغلب سكّان منطقة أرض جلول بالدراجة، لا ينتهي بهذه المشاهد الثلاثة. بعد انتهاء التجربة، يتّصل دورنبوس بأحد أعضاء حزب PVV مُعلِماً إياه بأنّ دراجته لم تتعرض للسرقة رغم أنّه في حي عربي مسلم في بيروت، «لقد أخبرتموني أن العربي سيسرق دراجتي وذلك لم يحصل». وعندما ارتبك السياسي الهولندي، أقفل دورنبوس الخطّ.
في هذا الإطار، حاول فريق مكتب بيروت في القناة إيجاد تفسير لتصرفات العرب «الشاذة» في الدول الغربية، وهو ما شرحه لهم زميلنا عمر نشابة، معلّلاً ذلك بغياب أي شعور بالانتماء لدى هؤلاء المهاجرين في الدول المضيفة: «الأمر أشبه باستئجار بيت أو شرائه». العرب ببساطة لا يشعرون بعلاقة تربطهم بالدول الغربية، وهو ما يشبّهه نشابة بمن قاتل في بيروت خلال الحرب الأهلية: «المقاتلون الذين أتوا من الشمال والجنوب من الطبيعي ألا يهتموا بوسط المدينة أو يتأثروا بتدميره، إذ لا ذكريات لهم مع هذا المكان». أما السبب الثاني، فهو أنّ العقاب الذي يلقاه السارق في هولندا مخفّف جداً، «فعملية القتل تراوح عقوبتها بين أربع سنوات وستّ، فكيف بالأحرى السرقة؟» يسأل دورنبوس. أما الحل لهذه الظاهرة، فهو بحسب نشابة، العمل على النضوج الوطني والمدني لدى العرب في هولندا وغيرها من الدول الأوروبية.
هكذا حاول التلفزيون الهولندي أن يعكس صورة مختلفة عن العرب. صورة أرادها إيجابية... لكن «الطريق إلى الجحيم مفروشة بالنيّات الطيبة» كما يقول المثل. فهل أفلت الفريق التلفزيوني الهولندي تماماً من فخّ العنصرية الذي جاء يفضحه؟ وماذا عن اللجوء إلى هذا النوع من الاختبارات بحدّ ذاته: ألا يعطي رصيداً لعنصريّة وايلدرز ولنظرته إلى العرب؟ ألا يبقى الطرح ناقصاً ما لم يجرِ الربط بين الممارسات الشاذة المنسوبة إلى فئة من أبناء المهاجرين، وفشل سياسات الدمج التي يدّعيها بعض الحكومات الأوروبيّة؟