حسين بن حمزةفي ديوانها الثاني «عند أول مرسى» (دار النهضة)، تكتب لوركا سبيتي نصاً شعرياً حاداً. النبرة هنا لا تتمهَّل عند ممكنات صورةٍ أو احتمال استعارة. اللغة ذاهبة سريعاً إلى مقاصدها. ثمة شراسة عالية في هذا النوع من الكتابة التي تبدو كأنها منجزة بقوة انبثاقها فقط. إنها تجري وتتدفق كسيلٍ لا أمل له في مصبٍّ تهدأ فيه المياه ويصير لها عمقٌ وقاعٌ وقرار. القصد أن القارئ يجد هذه اللغة العارية إلا من حدَّتها وتدفُّقها. الصور التي اعتاد القارئ شعريتها نادرة، كما هي الحال حين تكتب: «هكذا/ نحن/ نمرُّ/ سريعاً/ كريحٍ في حقل/ كنهرٍ حافٍ/ لا يكرر نفسه/ ولا يسترق السمع/ ولا يصمت». ثمة صور طبعاً، لكنها مكتوبة وفق ميزات النبرة نفسها. في قصائد عديدة، تبدو هذه الصور أشبه بضربات عنيفة، وخصوصاً أنّها تحمل في داخلها خطاباً مباشراً ومقاصد واضحة. لنقرأ هذا المقطع من قصيدة «نحن النساء»: «يا رجال هذا الكوكب/ كيف ستعيشون/ بلا امرأة/ تنفض عنكم العثَّ/ وغبار الجنون/ والثياب المتقرّحة/ والنعاس المتراكم/ والنقاط الحبيسة/ والحصى المدججة/ وسقوف الصفيح/ وهذا الظلم/ وذاك الفولاذ».
اللغة العالية تظهر في نصوص أخرى. وهذا يعني أن الموضوع لا يحدد ـــــ وحده ـــــ اللغة التي يكتب بها. هناك لغة عابرة للمواضيع. والشاعرة تحاول أن تضع بصمة هذه اللغة في كل نصوصها. لنقرأ هذا المقطع من قصيدة مكتوبة عن حرب تموز 2006: «مقاومون نحن/ عشاق الله نحن/ رفاق الملائكة/ أبناء الشهادة/ دفء الصفاء/ من صبحنا يولد الحق/ ويموت الظلم/ كل مساء/ من لا يعرفنا؟/ فليسأل عن الحسين في كربلاء». كما نعثر على قافية: «بعد غياب الشمس/ في حضنكَ الأفقْ/ بعد احتراق الأمس/ بيومكِ العبقْ/ بعد ابتلاء الروح/ بلحظات الشبقْ/ اعذرني/ ففي عريك/ وهجٌ يخلع/ عني حياء لبقْ/ هل ستأتي؟». المرأة حاضرة في كتابة لوركا سبيتي ككائن يريد أن يفيض على المساحة الممنوحة له. ثمة نوع من التحدّي هنا. فهي لا تقدّم صورة المرأة التقليدية التي تنتظر رجلاً، ولا صورة المرأة المدافعة عن جنسها. إنّها امرأة فحسب. امرأة تجرّب أنوثتها في الكتابة. «كأني لبوتكَ/ وأنت أسدي»، تكتب للرجل في إحدى القصائد. وتمنحه فرصة أن يوقظ نشوتها في قصيدة أخرى: «قل لي/ بعض الحب العاري/ عرّيني من الوحدة/ لامسني عبر الهاتف/ وبلهاث العتمة/ لأنتشي ...».


* توقّع لوركا سبيتي ديوانها عند السادسة من مساء اليوم في جناح «دار النهضة»