فوكس للمسلسلات» تنتهجُ أسلوب حليفتها «روتانا» في ابتلاع السوق وإفلاس المنافسين، فيما الشبكة العنكبوتية تدشّن أخيراً البثّ التجريبي لقناة «يوتيوب لايف»... وسط المنافسة بين الإنترنت والتلفزيون، هل تدفعُ المحطات المشفّرة الثمن؟
محمد خير
ما بين انطلاقة قناة «فوكس للمسلسلات» (Fox Series) في الأول من الشهر الحالي، ثم، في اليوم التالي، تجديد حقّ البث الحصري لبطولة «كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم» لمصلحة شركة «سبورت فايف» (راجع البرواز)، وقبل ذلك تدشين البثّ التجريبي لقناة «يوتيوب لايف» على الشبكة العنكبوتية... بين هذه المشروعات / القرارات الثلاثة، أوجه اختلاف أكثر من أوجه اتفاق. لا يبدو رابط سوى الاتفاق الزمني لا أكثر. ومع ذلك، فإن نظرة عامة وشاملة، لا بدّ من أن تدفع إلى التساؤل: هل ينتهي عصر اشتراك «الكابل»؟ وهل يتحوّلُ تهديد الإنترنت تجاه التلفزيون التقليدي، إلى معركة يضحّي بها الطرفان بالقنوات المدفوعة الأجر، وخصوصاً مع انتشار القرصنة؟
في ظلّ منافسة تنتظرها وقد احتدمت سلفاً، لم يكن أمام قناة «فوكس المسلسلات» أن تدخل الساحة من دون مميزات إضافية. وهي، إن لم تكن مميزات «نوعية»، إلا أنها كانت كافية على الأقلّ كبداية. إذ استطاعت كسر ملل الجمهور الذي حفظ حلقات المسلسلات الأميركية عن ظهر قلب، كون المحطات المختلفة (mbc4 وaction mbc وDubai one...) بدت وكأنها في اتفاق غير مكتوب، مضمونه إعادة حلقات الأجزاء نفسها إلى ما لا نهاية. إضافة إلى تكرار أسماء المسلسلات نفسها.
إذ لم تجد تلك القنوات المجانية دافعاً لدفع أموال طائلة لشراء حقوق عرض الأجزاء الجديدة، أو للحصول على حقوق عرض مسلسلات، كانت قد فقدتها لمصلحة القنوات المشفّرة. لذا، فإن إعلان «فوكس» عن أسماء المسلسلات التي التزمت بعرضها، والأجزاء الجديدة منها، قد مثّل مفاجأة سعيدة للمشاهد / المستهلك الذي انتظر طويلاً، من دون جدوى، عرض الجزء الثالث مثلاً من Desperate Housewives، أو أيّ جزءٍ من مسلسل الرسوم المتحركة «سيمبسون» الذي خسرته القنوات المجانية قبل مواسم عدة. ولكن ها هي «فوكس المسلسلات» تعرض هذه البرامج وغيرها. لذا، فهي ستنجح حتماً في جذب المشاهد الذي ظلّ رهن القنوات الأخرى. وهي قنوات لم تتنافس في الإملال فحسب، بل في طول الفقرات الإعلانية أيضاً، ونفوذ مقص المونتاج الذي وصل في قناة «دبي 1» تحديداً إلى مراحل هزلية. ويبقى السؤال منطقياً: كيف يمكن للقناة الجديدة تحمّل تكلفة عرض تلك البرامج مجاناً؟
الإجابة تتلخص في أنها الظاهرة «الروتانية»: «فوكس المسلسلات» هي مثل شقيقتها «فوكس الأفلام»، تأسست إثر اتفاق بين مجموعة «روتانا» و«قنوات فوكس الدولية»، أحد فروع News Corporation الأميركية. معنى ذلك، أن المجموعة المملوكة للأمير الوليد بن طلال، ستكرر الأسلوب نفسه الذي احتكرت فيه سوق الكاسيت. وهو سلوك الإنفاق بلا حساب من دون انتظار عائد مادي مباشر في الأفق المنظور. أما المقابل الفعلي، فهو حكماً ابتلاع السوق بأكمله، بعدما يُفلس المنافسين. وكما أضرّت قنوات «روتانا» الأفلام بمنافستها مجموعة «art» ودفعت بالأخيرة إلى الاعتماد على حصرية البرامج الرياضية... فإنها بقناة «فوكس المسلسلات» توجه ضربة قوية إلى شبكة «شو تايم» التي تعد عرض البرامج الجديدة نقطة تميزها. وبهذا، لن يبقى لها سوى نقطة التميّز الأخرى: العرض من دون قطع أو مونتاج. وهو ما لن تستطيع «روتانا ـــ فوكس» أن تنافسها فيه. لكن الفارق بين تكلفة اشتراك «شو تايم» (مئات الدولارات سنوياً)، ومجانية «فوكس الأفلام والمسلسلات»، سيصب في النهاية وحتماً في مصلحة الأخيرة.
هكذا، فإن شكوى قرصنة الأفلام والبرامج على شبكة الإنترنت ستفقد معناها، إذ إن التنافس في العرض المجاني سيقضي على ضرورة ملاحقة تسرّب المواد على الشبكة. أما المعضلة الجديدة، فستكون مواجهة «طبيعة» بث هذه المواد. ذلك أن البث التجريبي لقناة «يوتيوب لايف»، الذي بدأ 23 الشهر الماضي، بنقل حفلة فنية ضخمة نظّمتها «غوغل» في سان فرانسيسكو، مثّل لمحةً من مستقبل ما يعرف بـ«البث التفاعلي». وذلك من خلال 3 كاميرات مختلفة: واحدة تنقل خشبة المسرح، والثانية بين الجمهور، والثالثة تنقل ما يدور في الكواليس. وهكذا، استطاع المشاهد أن يتنقل بين الشاشات الثلاث كما يشاء. وهو تحد مخيف للتلفزيون التقليدي، إذ إن مجاراة ذلك لا تعتمد فقط على طبيعة أدوات البث، بل طبيعة أجهزة الاستقبال، أي ملايين أجهزة التلفزيون في كل مكان في العالم. بينما لا يحتاج الأمر على جهاز الكمبيوتر إلى أكثر من تحديث برامج «الجافا»... فهل يمكن في ظل ذلك التحدي، أن يظل النقاش مقتصراً على حقوق البث، وخصوصاً في العالم العربي الذي لا يعني فيه النقل الحصري سوى «ادفع أو لن تشاهد»؟ بينما التنافس في العالم المتقدم يعني توفير زخم أكبر لخيارات المشاهدة.


كسر الاحتكار