حسين بن حمزة تذكرنا المصوِّرة الهولندية أنيت دون آدن بممارسات الرحالة الغربيين القدامى الذين كانوا يعودون من أسفارهم بصور تختصر الحضارات والتقاليد وتفاصيل الحياة اليومية للبشر الذين التقوا بهم. الفرق أنّ أعمال أنيت المعروضة في «هنغار» جمعية أمم للأبحاث والتوثيق، تنتمي إلى زمن ما بعد حداثي مقارنة بأعمال أسلافها. هؤلاء عادوا بلقطات وألبومات صارت جزءاً من كليشيهات الاستشراق السياسي. أما هي فتنضم إلى الممارسات الفنية ـــــ وغير الفنية طبعاً ـــــ التي تعمل على وضع معادلة «الأنا ـــــ الآخر» في إطارها الحقيقي. ولهذا، فإن الكاميرا عندها لا تكتفي بالعناوين الكبرى والخطوط العريضة والسطحية للكادرات التي تلتقطها. ما نراه هو حوار حميم بين عين الكاميرا والواقع الذي يحضر بتفاصيله وحيثياته المتناهية في الصغر. ثمة ثقافات وتقاليد ثقافية مخلَّدة في صور هذه الهولندية التي لم تتأخر ـــــ بعد تخرّجها من أكاديمية الفنون في روتردام ـــــ في حزم كاميراتها في حقيبة، والبدء برحلات تصوير قادتها إلى قبائل الأمازون ومجتمعات أميركا الوسطى وجغرافيات التيبت والهند وجبال الهيملايا.
معرضها البيروتي «إنارة» هو نتاج رحلات من هذا النوع إلى الشرق الأوسط. من خلال 49 عملاً، توفر أنيت دون آدن لزائر معرضها فرصة أن يرى ما رأته هي، وما ارتأت أنه يستحق أن يُحفظ في صور. من دمشق، عادت بلقطات عاشورائية من الاحتفالات التي تُقام في منطقة السيدة زينب. ومن النبطية، عادت بصور مشابهة، فضلاً عن لقطات للدمار الذي حدث في عدوان تموز 2006، حيث نساء بالأسود مع صور أحبائهن الشهداء. الدمار يحضر أيضاً في صور آتية من نابلس وجنين، ولقطات من شوارع بغداد. ومقابل هذا، صورتان من بيروت لشعارات «حب الحياة» و«الحقيقة».
آدن الحاصلة على جائزة أفضل صورة من جمعية المصورين في لندن عام 1997، تعرف كيف تلتقط الآلام والعزلات والأفكار الشخصية التي تخفيها وجوه من التقت بهم، وعزمت على تخليدهم في ألبوماتها. لماذا أنت هنا، نسألها؟ فتقول إنها ـــــ بعد هجمات 11 سبتمبر ـــــ قررت أن تُدير ظهرها لكل السجالات التي دارت حول صدام الحضارات، وأتت لتعاين بنفسها ما يدور في الجانب الآخر. «لهذا سمّيت المعرض «إنارة»»، تضيف مبتسمة لكاميرا متخيَّلة.


حتى 13 كانون الأول (ديسمبر) الحالي ــــ «الهنغار» (حارة حريك) ــــ للاستعلام: 01/553604