strong>زينة منصورالطفل اليتيم والوحيد، الرجل الضعيف أمام الجنس الآخر، المدخّن الشره والمحبّ للخمر الذي اختار المدرسة الحربية بعد صفعة من مدرّس المرحلة الابتدائية، كانت من أهمّ محطات فيلم «مصطفى» الذي نزل أخيراً إلى الصالات التركية في مناسبة الاحتفال بالعيد الـ85 للجمهوريّة العلمانيّة. الشريط الوثائقي الذي يروي لأوّل مرة السيرة الشخصيّة لباني تركيا الحديثة مصطفى كمال المعروف بأتاتورك ـــ كتابة كان دوندار وإخراجه ـــ أثار موجة غضب لدى الكثير من «الأتاتوركيّين» العلمانيين، بسبب المشاهد التي صوّرت «أبو الأتراك» في آخر أيامه وحيداً معزولاً، ما اعتبره هؤلاء إساءةً لتاريخ الرجل. أما البقيّة الباقية من الليبراليين والإسلاميين فرأت أنّه فيلمٌ مفيدٌ بسبب واقعيته، وابتعاده عن الصورة النمطية التي لطالما قدّمت أتاتورك قائداً ثورياً ممجَّداً. ببساطة، حطّم«مصطفى» صورةً راسخة في أذهان الأتراك، فإذا بمؤسسات تربوية عدّة تتراجع عن تنظيم رحلات لطلابها لمشاهدته. وقد أشعل ذلك ناراً من الجدل في تركيا لنصرة صورة مصطفى الإنسان أو القائد الثوري التاريخي الذي لا يزال الشباب التركي حتى اليوم يقف كل عام في المدارس والجامعات دقيقة صمت على روحه.
استند دوندار في كتابة الشريط إلى أرشيف أتاتورك ومذكّراته الموجودة مع الجيش التركي، محاولاً إخراجه من إطار التماثيل البرونزية. إذ كشف المُخرج النقاب عن النواحي الشخصية لأب الأتراك. ولعل السبب الرئيس لصدمة المشاهدين هو أنّ دوندار نفسه كان قد أنجز سلسلة من الأفلام الوثائقية، اشتهر فيها بتمجيد صورة أتاتورك القائد التاريخي.
ساعتان فقط من «مصطفى» كانتا كافيتين لانفجار قنبلة من الجدل في تركيا بين ثلاثة تيارات هي: الليبراليون الأوروبيون، الإسلاميون، والعلمانيون «الأتاتوركيون» الذين رأوا الشريط مؤامرةً لإضعاف الجيش الكمالي في تركيا لمصلحة التيار الإسلامي.
أما الجدل الإعلامي والسياسي الذي أطلقته أصوات حزبية وأكاديمة وصحافية داخل تركيا فقوبل بمراقبة صامتة من النائب العام والمحكمة الدستورية. علماً بأنّ القانون يعاقب أي تركي يتوجه بالانتقاد لشخص أتاتورك. هكذا، فانّ المجتمع التركي بأيديولوجيته العلمانية المدسترة يحيط هذا الرجل بهالة من القداسة، وبالتالي ترفض الأجيال العلمانية الكمالية أن ترى نقاط ضعفه وأخطاءه البشرية.


سكير... و«نسونجي»