سناء الخوريقصور وسيارات وجامعات أميركيّة والكثير الكثير من الأموال، شذرات من أسلوب حياة يتفنّن محمد الشارخ في توصيفها في روايته «العائلة» (دار قدمس). كما في عمله الأول «عشر قصص»، اختار الكاتب الكويتي الطبقة المخملية الخليجية بكل بذخها وترفها ليبني عليها حبكته الروائيّة. يحيل العنوان إلى ما يشبه «أدب السلالات» في تلك المسلسلات الأميركية التي لا تنتهي، وتروي قصة سلالة ثرية تتوالى المآسي عليها. العائلة في رواية الشارخ تعيش أيضاً مأساةً وجوديّة رغم غناها. لكنّها عائلةٌ خليجية، عائلة سعد بن كعب الناصر، الرجل المزواج، الذي يخلّف وراءه عشرة صبيان وتسع بنات بعد أن تفتتح وفاته السرد في الجملة الأولى من الرواية.
تقنيّة السرد المتعددة الأصوات تنقل القارئ إلى عالم العائلة الداخلي. إذ يتغير المتكلم بين الحين والآخر، فيسرد كلّ فردٍ تقريباً رؤيته للأحداث المتعاقبة وموقعه فيها. الجامع بين الأصوات المتعددة هو خضوعها لقدرين: سلطة العائلة البطركية التي تخضع للتراتبية العمرية فيسوسها الأخ الأكبر بعد وفاة الوالد، وسلطة أخرى أبعد وأقوى تصدم التركيبة التقليدية للمؤسسة العائلية في الخليج، وهي العولمة والانفتاح الاقتصادي.
أفراد هذه العائلة التقليدية يعيشون على هامش صراع سياسي اقتصادي ينعكس على حياتهم ويظهر التناقض العجيب بين بنية عائلتهم المحافظة وأسلوب العيش الحديث. هذا ما يظهر في القصص الصغيرة التي يعيشها كلّ فرد من أفراد العائلة، من هنوف الفتاة التي تختار الزواج من مصري خارجة عن طوع العائلة التي تنبذها، وأختها العانس التي ترفض الزواج مكرّسة نفسها لخدمة عائلة أخيها البكر، مروراً بالأخوين المجاهدين اللذين ينتهيان في غوانتانامو، وصولاً إلى فيصل الذي يتعلّم في جامعات أميركا ويعود لينتفض على البنية التقليدية لعائلته فيرفض علاقاتها الانتفاعيّة مع الأمراء والحكام. وتتعاقب في الرواية التلميحات إلى اختفائه منذ إلقائه لخطبة جريئة في المسجد أحرجت أخاه الكبير والعائلة.
من خلال السرد الذي يحطّم التسلسل الزمني محوّلاً الرواية إلى سلسلة شهادات عشوائية بين أزمنة وأمكنة مختلفة، تتكشّف القضايا الاجتماعية والسياسية التي يطرحها الكاتب. الإشكالية الأساسية التي يتبنّاها الشارخ هي ذلك الفصام بين الغنى والترف والانفتاح على نمط الحياة الغربيّة والتمسّك بالتقاليد العائلية والدينية في المجتمعات الخليجية المعاصرة. في فصول الرواية الأربعة، يعرّج الشارخ على الكثير من المشاهد المثيرة، من وصف لحياة العائلة «الهنيّة»، «لدينا أربعة طباخين ورئيس سوداني للسفرة تساعده حبشيتان»، وصولاً إلى مقاطع التعذيب في غوانتانامو التي وصفها الشارخ بدقّة «يربطون أيدينا للخلف، يلبسوننا القناع البلاستيكي ذي الرائحة النتنة، نركع على ساقينا، نحني رؤوسنا حتى تلاصق الركبتين».
هكذا، تقع الرواية على الكثير من القضايا الراهنة، وخصوصاً علاقة الدين بالسياسة وتحديّات المجتمعات التقليدية، من تهميش للمرأة والانفتاح الاقتصادي الذي تفرضه مقتضيات العولمة، ما يجعل من قصص العائلة نماذج مصغّرة عن مجتمع يتخبّط في ازدواجية غريبة وتتحول العولمة إلى البطلة الخفية للرواية.